سبق أن كتبت مقالاً عن فوائد السفر، وذكرت فيه أن فوائد السفر ليست سبع فوائد فقط كما هو متعارف، إنما عشرون فائدة (إذا كنا نريد أن نستفيد من غيرنا)، فقد كانت إجازة صيف هذا العام بالنسبة لي رحلة عمل أكثر من كونها إجازة سنوّية وذلك بسبب مرافقتي ابني لاستكمال إجراءات التحاقه بإحدى الجامعات الأميركية، حيث كان لزاماً عليّ أن أعمل بكل جد من أجل استكمال إجراءات التسجيل وتأمين السكن وغير ذلك من الأمور اللوجستية.

وجهتي كانت الولايات المتحدة الأميركية، وهي في الواقع من الدول التي لم أعتد السفر إليها كثيراً، إلا أنني لاحظت خلال رحلتي الكثير من الأمور الإيجابية، ابتداء من شعبها الطيب، ولفت انتباهي أن الكل هناك يعمل بكل إخلاص وتفانٍ ودائماً ما يستقبلونك بالترحاب ويبادرون لتقديم المساعدة، ومكثت 35 يوماً، ووجدت خلالها نفس الانطباع أينما ذهبت، فالنظام سيد القانون هناك والجميع يحترمون هذا النظام ويقومون بتطبيقه والالتزام به، والأهم من كل ذلك أنه يتّم التعامل معك كإنسان، لا يهم من تكون، لونك، دينك، أو جنسيتك، وهناك اهتمام كبير فيما يخص التعامل مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، أما كبار السن، فلهم مكانة خاصّة واحترام كبير، إذ يتم توفير كل وسائل الراحة المتاحة في جميع المرافق.

وبعد أن أنهينا جميع الإجراءات المطلوبة فيما يخص ابني، قررنا أخذ إجازة لمدة أسبوع في جزر الكاريبي عن طريق البواخر السياحية حيث اكتشفنا أن الباخرة تقل 6500 راكب و2300 من طاقم الباخرة! ويمكنكم بالطبع تخيّل هذا العدد المهول، والذي يمثل جنسيات وأديانا وعادات وتقاليد مختلفة.

باختصار شديد... لم أر شيئاً هناك غير المحبّة والاحترام والتقدير، والتقيّد بالنظام واحترام المواعيد والأهم النظافة التي تشّع في كل الزوايا، وبذل الطاقم المسؤول بالطبع جهوداً جبارة في سبيل توفير كل سبل الراحة للسيّاح على متن الباخرة، ولكن يبقى ما هو أهم ألا وهو تعاون الركاب جميعاً في حفظ النظام والالتزام بالقانون.

خلاصة القول، أوّد أن يتذكّر الجميع أن أيّة تجربة ناجحة تمر علينا في حياتنا هي بكل تأكيد نتاج عمل دؤوب ومخلص وجاد، كما أنها نتاج تعليم وثقافة وتربية والتزام وأخلاق واحترام، وليس معيبا أبداً أن نتعلم ونقوم بتطبيق ما تعلمناه من بعض عادات الشعوب الأخرى وسلوكياتهم الحميدة... دعونا ننشر المحبّة والسلام بين الشعوب والأديان، ولنستفد من بعضنا أيّا كانت اختلافاتنا، فجميعنا بشر في النهايّة نسعى لعمارة هذه الأرض والارتقاء بحياتنا وأوطاننا، ألم أقل لكم إن للسفر عشرين فائدة.