العدد 3243
الخميس 31 أغسطس 2017
banner
مجمع 202... لستَ وحدك
الخميس 31 أغسطس 2017

إنه من أكثر المواضيع المحيّرة، فعلى ما هي عليه من سهولة في التناول لوضوح القضية، فإن هذا الوضوح المبهر هو أكثر ما يعقّدها، ولأن توضيح الواضح أصعب بمراحل من شرح الغامض.

فحين شكا بعض أهالي المجمّع 202 (المحرّق) من الفوضى، مصوّرين ما انتهت إليه منطقتهم من مدارس ومجمّعات تجارية، ومحلات بيع وشراء من كل الأنواع اختطفت واجهات البيوت، وباتت المنطقة تسبح في سوق تجارية؛ عادت بنا الذكريات إلى أوائل ثمانينات القرن العشرين، حينما كانت هذه المنطقة (حرفيًّا) واحدة من المناطق التي يمكن أخذ الغرباء ناحيتها بعيدًا عن العشوائيات والبيوت المتهالكة، وذلك لأناقتها، وحُسن انتظام بيوتها، وهدوئها.

أيها المجمع لستَ وحدك في هذا البلد، فهناك فوضى استشرت جعلت الدكاكين المؤجرة للأجانب تغزو المجمعات السكنية على طول البحرين وعرضها، فجرى احتلال الأرصفة، وضاقت الشوارع بالسيارات المصطفة يمنة ويسرة، وهاك الفوضى إن أرادت الرجوع إلى الخلف، أو عندما يقف أحدهم على طرف الشارع.. أي في منتصفه بالنسبة لمعظم شوارع البحرين ليطلب بكل برود شاي كرك ساخن، و”طز” في من يعانون خلفه للمرور من جانبه.

أيها المجمّع لستَ إلا واحدة من العورات التي تكشّفت من غير حياء لترينا عميق الخلل الذي غطّى بقدرة أهل القدرة، أعين المهندسين المدنيين والمخططين عن خلق شوارع للمستقبل، وأبقتها شوارع ضيقة ذات اتجاهين تلاصقها البيوت ملاصقة حتى لا يمكن تطوير الشارع أبدًا، عندها لن نتعب أنفسنا بالسؤال عن المستفيدين من بيع الأراضي في ذلك الحين وتآكل الخدمات العامة.

أيها المجمّع لستَ بِدعًاَ عن غيرك من المجمعات السكنية، والتي يجب تغيير تصنيفها إلى مجمعات “سكارية” أي سكنية تجارية، حيث تنتشر الفوضى التي تحطّ من قدر البلاد والعباد معًا، فتنتشر الفوضى، وتقل جودة الحياة، والتمتع بالنظام، تنخفض في هذه المناطق المتمددة سِمات الرقي، ودِعة الحياة، إلى أخلاق الأسواق، وجَلَبة الباعة، وبالكاد يتبين الناس بيبان البيوت من واجهات المتاجر والحوانيت، فأي نفسيات لسكان هذه البيوت وأبواق سيارة تحاصرهم حتى الهزيع الأخير من الليل لشخص مستعد لشحن الجوّ كله بالصراخ من أجل قنينة مياه بمئة فلس.

أيها المجمع، لستَ وحدك من بين الكثير والكثير من المسائل التي بدأت بانحراف بسيط في البدء، بجزء من الملليمتر من الانحراف خارج الخطّ القويم، ومع الوقت صار خط الانحراف أبعد من البُعد عن جادّة الصواب حتى بات الصواب من الأمور المستغربة لدى الناس، وصار الحديث عن سكينة النفس بعضًا من أصداء قديمة لن تعود.

أيّها المجمع، أنت، وغيرك من المجمعات السكنية التي لم يعد فيك لـ “السكن” و”السكينة” أي مكان حيث يتساوى الناس والجمادات، ولا أحد يسأل عن كيف يتحولون إلى أوانٍ مستطرقة تتقبل الأوضاع السيئة، وتسوء معها، وتأخذ شكلها؛ أنتم شهود على أن سهولة ترك الأمر للفوضى والجشع في كل عتبات السُّلَّم، وأنتم شهود على صعوبة نظافة اليد والضمير، وأنتم ضحايا حرارة الاستقامة التي ندُر من يتمسّك بها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .