العدد 3234
الثلاثاء 22 أغسطس 2017
banner
على الضفة الأخرى
الثلاثاء 22 أغسطس 2017

يوم الخميس الماضي، قامت زعيمة حزب “أمة واحدة” اليميني المتطرف في أستراليا بولين هانسن بفعل أقل ما يقال فيه إنه سمِج، إذ جلست على مقعدها لمدة 20 دقيقة، مرتدية النقاب بالكامل، ثم قامت بنزعه في حركة مسرحية باردة، داعية إلى منع النقاب في أستراليا، ومحذرة من الهجمات الإرهابية، التي أحبط بعضها، ونجح بعضها. وكان الرد عليها من قبل وزير العدل الأسترالي جورج برانديس مفحماً ورادعاً لها، حيث حذرها من الاستهزاء بالأديان والمعتقدات، واصفاً المسلمين الأستراليين البالغ عددهم نصف مليون نسمة تقريباً، بأنهم في معظمهم ملتزمون بالقانون، ومواطنون صالحون، واصفاً ما فعلته بالفعل “المشين”.

لقد استهجن قطاع عريض من متناقلي هذا المقطع فعل النائبة المتطرفة، مستحسنين رد فعل الوزير، ومؤيديه أيضاً بحادث طردها من أحد المحلات التجارية لقاء تصرفها “المشين” كما وصفه الوزير.

إن هذه المشادة بين اليمين الغربي المتطرف والاعتدال الغربي مستمرة منذ عقود، وإذا كنا نذكر ما كانت تفعله الفرنسية بريجيت باردو، وفي أماكن أخرى كثيرة، وتهب الرياح مرة إلى مصلحة هذا الطرف ومرة إلى ذاك، وتستمر المسألة ردحاً من الزمن، والمعول دائماً على المسلمين في الدول الغربية ومدى اندماجهم مع المجتمعات التي هاجروا للعيش فيها، ومدى رفضهم للانسياق وراء الدعاوى المشبوهة واليائسة لشن الحرف على فسطاط الكفر.

لو التفتنا إلى واقعنا لوجدنا أن معظمنا ممن يهللون لفعل الوزير الأسترالي هم أنفسهم الذين يبررون لأنفسهم رفض الدفاع عن الآخر المختلف، والدفاع عن حقه في العيش بحرية، وحماية معتقداته ومقدساته، ولا يود معاملة الغير في دياره، كما يود أن يعامله الغير عندما نكون في ديار الغير، نعتبر دفاعهم عنا هناك حقٌ لنا، وطمسهم في بلادنا واجبُ علينا، ونستل من الكتب القديمة ما يبيح لنا إقامة مساجدنا على أرضهم، ونعتبر أي مئذنة ترتفع في السماء أنها نصر من الله، وفي المقابل، فإننا لا نسمح لهم بالمثل في بلادنا، وإذا ما غلبت السياسات العليا الجمهور من الناس، فإنها لا تخلو من تفويض الأمر إلى الله ليحق الحق!

لا يقتصر أمرنا على من خالفنا على البُعد الديني والعرقي والجغرافي، بل إننا نمارس الأمر ذاته مع مخالفينا في الفكر والتوجه والدين والطائفة والمذهب، حتى وإن كانوا ممن نغمس اللقمة معهم يومياً، إلا أن في الصدور ما يعتمل، فما أن يحرك أحدٌ العصا، حتى يلتجئ كلٌ إلى معسكره وكأن تاريخاً من العيش لم يكن، ولم يكن بين الناس نسباً وصهراً وعيشاً وعملاً ومصالح، ففي الملمات كان من يطالب بالتريث، مجرد التريث قبل إصدار الأحكام الاجتماعية وإنفاذها، يعتبر في سرب المتخاذلين والخونة المستترين، والمتراخين، وقواميس اخترعناها ونشطنا في ترويجها وتثبيتها على بعضنا البعض، وفي حين ظن البعض أنها بنات الفترات العصيبة؛ فإننا نجدها على امتداد الوطن العربي تعود وتقفز حتى اليوم مع البعد عن وقت التوتر العصبي الحاد.

من ساءه موقف هانسن، ومن سره موقف برانديس، فليراجع نفسه من دون التبرير، وليرى كم مرة كان فيها “برانديساً”، لأنها من المرات النوادر التي يمكن عدها، بعكس المرات التي كنا فيها “هناسين”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .