العدد 3212
الإثنين 31 يوليو 2017
banner
على كف الإشاعات
الإثنين 31 يوليو 2017

بات معروفاً أنه إذا ما أريد تمرير أي أمر يجري أولا بثه كإشاعة، لتعمل عمل بالونات الاختبار، فإذا ما كانت ردود الأفعال عليها بليدة وباردة، ولا تعدو قليلاً من الهمهمة والحوقلة؛ فتجري عملية ترييح “العجينة” لحين اختمارها، ومن ثم إطلاقها لتصبح واقعاً، أما إذا كانت ردود الفعل صعبة وقوية وتنبئ بسخط اجتماعي عارم؛ فتجري عملية ترييح “العجينة” لحين اختمارها، ويخرج مسؤولون ليقولوا إن ما راج لا يخرج عن كونه إشاعة، وأن لا مساس بحقوق المواطنين، تكون حينها العجينة ارتاحت بما فيه الكفاية، ويبدأ إنفاذ ما هو مخطط له.

قبل سنتين تقريباً، شاع وذاع أن هناك تغييرات كبيرة ستجري على مسألة التقاعد، ومنها رفع سن التقاعد، وحرمان المتقاعد من مكافأة نهاية الخدمة التي كانت تعطى دفعة واحدة، إذ ستدمج في الراتب التقاعدي، وهذا ما دفع عدداً – قيل إنه في حدود السبعة آلاف – إلى النجاة بسنيّ تعبهم وعرقهم، ليخرجوا من سلك الوظيفة الرسمية خصوصاً، فيرتاح القطاع العام، ويُلقى العبء على الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي ليزداد الداخل إليها حرجاً، وبعد أن تمت العملية خرج من يقول إنها ليست إلا إشاعة!

عاد الحديث مجدداً منذ مدة عن أن الدولة لا يمكنها الاستمرار في تقاعد الموظف عند سن الستين، فلابد من رفع سن التقاعد إلى 65، ما جعل المسألة تحوم في صدور الناس، ومجدداً حسب الذين لم يحسبوها في المرة الماضية، ورأوا أن ينفذوا بجلودهم قبل أن تُسلخ، فتراكض أناس عند أبواب مؤسساتهم خارجين منها إلى حيث لا عودة قبل أن يجبروا على البقاء حتى لا يبقى في العمر بقية لا تمكّنهم إلا من قضاء البقية الباقية من أعمارهم في مراجعة العيادات والمراكز الصحية، ثم يأتي النواب ليقولوا إنها ليست سوى إشاعة، وأنه لا يوجد مشروع بقانون من قبل الحكومة بهذا الخصوص، وما سبق وأن صرّح به زملاؤهم قبل عام ليس Åوسبق أن خيّم القلق لسنوات طويلة على الأجواء والحديث شبه الراسخ يقول إن صناديق الهيئة ذاهبة إلى الإفلاس، أو العجز الاكتواري، كما يسمّى، وأنه في العام 2023 ستكون الحسابات قاعاً صفصفاً، ويأتي قبل أيام نائب ليقول إن هذا ليس حقيقة، بل مجرد إشاعة، أو كلام مبالغ فيه، ولا من بالغ، ولمصلحة من، وما الغرض من المبالغة في التخويف والتهويل، كما لم يعد المواطنون، كما أعتقد، واثقين في أيّ الرأيين يصدّقون، وإن تعوّدنا أن نكون إلى التشاؤم أقرب.

ليست لي خبرة بعلم الإحصاء، ولكن القليل الذي أعرفه أن يكون أصحاب المعاشات الأحياء كانوا في الربع الثاني من 2014 يصلون إلى 35,316 فرداً، فيرتفع عددهم إلى 39,544 فرداً، أي بفارق 4.2 آلاف، فهذا معقول، ولكن أن يصل عددهم إلى 50,587 فرداً في الربع الثاني من 2017، أي بفارق 15,271 فرداً، فمع الاعتراف بتطور الرعاية الصحية في البحرين وامتداد عمر الفرد هنا، فإن هذا لا يمكنه أن يكدّس المتقاعدين الأحياء وكأنهم يستعصون على الموت، فها نحن ننتظر من يطلق إشاعة تحقق أسطورة جلجامش أن دلمون أرض الخلود.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .