العدد 3240
الإثنين 28 أغسطس 2017
banner
كيف نفهم قوَّتنا؟!
الإثنين 28 أغسطس 2017

ما أن نلتفت حولنا هذه الأيام حتى نجد من يتحدث عن “القوة الناعمة” كفهوم، وأن لدينا في منطقة الخليج العربي، وبالأخص في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بل في الوطن العربي بأسره، إمكانات “القوة الناعمة”، وأن علينا استعمالها، وجعلها تعمل لصالحنا، وأن الوقت حان لاستثمار قوتنا الناعمة كما ينبغي، والكثير من التنظيرات الأخرى التي تتحدث هذا المصطلح وما ينطوي عليه من مترتبات، وما يمكن أن يحققه من فرص للمنطقة، وما يمكنه أن يمرر من أفكار للدول الأخرى لتصطف معنا في جميع القضايا والتوجهات.

الأميركي جوزيف ناي، صاحب مصطلح “القوة الناعمة” الذي جاء به لأول مرة في العام 1990، في ظل التحولات العالمية الكبرى التي حدثت في الربع الأخير من القرن العشرين، يقول عن “القوة الناعمة” بعد 14 عاماً من بزوغ المصطلح، وعند تجديد كتابه الذي يحمل الاسم نفسه في 2004، إنها “تشبه الطقس، يُعتمد عليه، ويتحدث عنه الجميع، ولكن لا يفهمه إلا القليل”، فـ “جماعتنا” صاروا يطلقون على كل شيء يصادفونه عندنا أنه من مقوّمات القوة الناعمة، بدءاً من سُفرة السعف، و“المهفّة”، وجرار الفخار، والإبل، وأغاني الأفراح، والرقصات الشعبية، وانتهاءً بجرّ الربابة والشعر النبطي، وألعاب الأطفال والرطوبة. وإذا جاء ذكر النفط، أو إمكانات الطاقة المتجددة في المنطقة، أو الموانئ التي تنتشر على امتداد بحار العرب، قيل إنها “القوة الناعمة” مع أن صاحب المصطلح نفسه يشير إلى أن الحديث عن “القوة” وحدها في علاقات دولية، هي تقريباً نفسها التي تسيّر العلاقات الزوجية، فهي “لا تتركز بالضرورة في يد الشريك الأكبر، ولكن الكيمياء الجاذبة الغامضة”.

لذا، علينا البحث عن أسرار الجذب، بل علينا التساؤل مع أنفسنا بتجرّد وصدق: هل نحن جذّابون عالمياً؟ هل سيرتنا – عامّة – تسمح لنا باختراق قلوب الغير؟ هل أبقى الإعلام الغربي المتصهين لنا ما يمكننا الرهان عليه، بل السؤال المعاكس: هل عملنا ولو إعلامياً بشكل ذكي لنصنفر صورتنا، ونقدّم أنفسنا على أننا شركاء في بناء العالم، وليس استهلاكه فقط؟ وإذا كان الإعلام انعكاسا لصورة الواقع، ولو أراد أن يجمّل، فلن يتجاوز الواقع، يأتي السؤال الأهم: هل أسَّسَ العرب بنيانهم على العدل، وأثَّثوا بيوتهم بالحق... أم صارت الثروات نهباً لمن يقبض على مفاصل السلطة، وسادت التمييز وانتشر الفساد، فحينئذ لا تغني طبول الإعلام، ولا أبواق المدّاحين!

“القوة الناعمة” التي طبقها القطبان أثناء الحرب الباردة التي استمرت زهاء خمسين عاماً، كانت فيها إنفاقات هائلة على الدول الأضعف والأكثر هشاشة؛ حتى تستمال إلى هذا المعسكر أو ذاك وتُحتوى، واليوم فكلٌّ من الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، تنفق الواحدة منها ما لا يقل عن مليار دولار سنوياً على الشعوب الأخرى لجذبها ببرامج تنمية وإعمار ودراسات وإعانات وبناء وتشييد وإغاثات وغيرها، فهذه القوة تعتمد على “متلقّين مستعدين”، فكيف حالناً؟ وإلى أي الشعوب اتّجهنا؟ وكم من الموارد خصصنا؟ وما الرسائل التي وجّهنا؟ وعلى مدار كم من السنوات صبرنا وظللنا؟

على المحللين والمنظّرين وأشباههم أن يكفّوا عن تضليل الرأي العام وصنّاع القرار بشأن امتلاك العرب هذه القوة؛ لأن الفارق دقيق بين القوة كونها “ناعمة” أو “نائمة”!

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .