العدد 3184
الإثنين 03 يوليو 2017
banner
في كل وادٍ يهيمون
الإثنين 03 يوليو 2017

كان الشعراء في الأمم السالفة هم إعلام القبائل والدول والمدن، سواء في المنطقة العربية، أو حتى في الأمم الواقعة في قلب العالم القديم، وذلك بحسب ما تروي كتب التاريخ. وعربياً، كانت القبيلة التي تلد شاعراً مفلّقاً، تحتفي به أيّما احتفاء، إذ تكون قد ضمنت منصّة للصواريخ الكلامية لردع الأعداء، كما هو مشهور عن عمرو بن كلثوم في نهايات معلقته الشهيرة، ولأن القبائل كانت مهووسة في ذلك الوقت ببقاء اسمها على مرّ الزمن، فهؤلاء الشعراء من شأنهم أن يخلّدوا أسماء القبائل حتى يوم القيامة.

انتقل الشعراء بعد ذلك إلى الصنعة، وانتقل الشاعر من الدفاع عن القبيلة إلى الدفاع عن الحكام وعينه على العطايا والمزايا، فإن وقع الشاعر لسوء حظه مع حاكم لا يقدّر الكلمة حق قدرها، وهؤلاء في الغالب من ذوي الأصول غير العربية الذين تسللوا إلى مفاصل الحكم حتى تمكّنوا منها، وذلك في فترة الخوَر الطويلة التي مرّت بها الأمة حينما تركت أمر الجيوش إلى “الغير” وتفرّغت للـ “هشّك بشّك” بشكله القديم.

بينما ظلّ الـ “هشّك بشّك” ساري المفعول إلى أيامنا هذه، ما ظهر منه عبر مضخّات الإعلام المتجددة، وما بطن فيما تعلم الجماهير وفيما لا تعلم؛ فإن فعل الشعر قد تراجع كثيراً، ومفعوله ما عاد بالقوة التي تصدّ الرمي، وتحمي من الطعان، لأن المولعين بالحروب الكلامية اكتشفوا متأخرين أن ألفي قذيفة من كلامٍ لا تساوي قذيفة من حديد، فتم استبدال الشعراء بالكتاب اليوم.

الكتابة في أي مجال تحمل الدرجات الأربع نفسها التي كانت قبلاً تطلق على الشعراء: إذ الأول يجري ولا يُجرى معه، والثاني يسير وسط المعمعة، وثالث لا تشتهي أن تسمعه، ورابع لا تستحي أن تصفعه، لذا صارت الأنظمة تستأجر خليطاً من الكتاب للدفاع عن سياساتها، سواء من الأسواق المحلية أو الخارجية، وفي السوقين يمكن لمن أراد الشراء أن يجد ضالته، ولكن البدار البدار، فيمكن أن يسبق نظامٌ نظاماً آخر فيشتري بعضاً من أهم الكتاب ذوي الأٌقلام الحادّة برياتها، الغزيرة أحبارها، الكثيفة متابعتها، المجيدة للتمثيل إن ظهرت على الفضائيات حتى لا يشك أبداً أنها مؤمنة تماماً بما تقول، لأن المنافسة على هذا الصنف من الكتاب شديدة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .