العدد 3173
الخميس 22 يونيو 2017
banner
الجاثوم الذي رأيته يحوم
الخميس 22 يونيو 2017

كمن يعتلي صدره جاثومٌ أثناء النوم، يجثم عليه، يشعر أنه يريد الهرب من خطر ماثل، ولكن رجليه ثقيلتان جداً، يريد أن يلكم أحداً ويده لا تصل ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه، تضيق به اللحظة، يشعر بالعجز المطلق، واليأس والخوف، ينزلق الخوف ذعراً، يتملّكه، يتسع كبقعة دم، يتمدد، يغزو ما حوله، يشيع رائحة تكهرب الحواسِّ وتعطلها، للحظات لا تدري ما الذي عليك فعله... اللحظات التالية أيضاً لا تدري ما الذي عليك فعله، حتى الفرجة على طرف المهبّ لا تنجيك، الشظايا تصلك ولو كنت في بيتك المتآكل، النثار يخرِّم أحلامك فترى أطفالك من خلال فتحاتها يقتاتون فوارغ رصاص الكلام الذي لطالما كان ساخناً وسخياً في المدى القصير، موجعاً ومؤلماً في المدى القصير، شرساً فتّاكاً في المدى القصير، وكلما استطال المدى، بات رجعاً للصدى، وتبدد في القفار... أطفالك يلوكون المعادن الرخيصة وتلفظهم الحدود إلى الحدود إلى المناطق الفاصلة بين مسافات النفاق المؤجل، والحروب المؤجلة. إنها أسقف هذا الزمان الشحيح الأكسجين، فتضيق به الصدور، والدرب إلى آخر النفق طويل، ولا تبدو من نهايات قريبة... إنها أنفاق متشعبة، مظلمة، قاتمة، زلقة، كريهة، ترتجي الهلع في نفسك، كلما أوغلت فيها اكتشفت أنك في منتصف المسافة: المضيّ فيها خسارة، والرجوع لتجريب نفق آخر لعلّه يكون المخرج؛ خسارة أخرى، ووقوفك أمام تجاربك الثكلى خسارة. تتوالى علينا الحسرات بما يعمّق شتاتنا، هشّمتنا النكبات بمطارقها الفولاذية، فلا نخرج من حرب إلا لنقع في فتنة، لا من داخلٍ يرأف، ولا من خارج يرحم، ترى الناس سكارى لشدّة الخوف، الخوف من كل شيء، ومن قول أي شيء، تناطح وحدك غازات الاشتعال السريع، نحُول بين أعواد الثقاب، ننفذ إلى شرايين سفننا الهشّة، حيث الثقوب تتوالى والقواعد تنهدّ ولا يمكن سدّ أيٍّ منها، نرى الغرق ماثلاً ينظر إلينا بشفقة لا تليق به، ونرنو إليه بعيون ملأى ولا يحسن التمثيل. فجأة تشعر بلزوجة كريهة تغزو جسدك، إنها أطنان الديدان السمينة التي تزحف فوقك في اتجاه منصّات البوح والردح والفحّ، وتترك مكان تحرّكها سوائلها الدبقة، تشتمّ روائح لا يشتمّها غيرها، فتسارع في الإفصاح عن شهواتها في الظهور، وتعبئ الأجواء ريحاً نتنة، لا يمكنك نزعها، دهسها، قطع الطريق عليها، فالموجات تعلو سرعى، وقرع الطبول يزداد سرعة وضجيجاً، يهزّ القفص الصدري، يتصدّع ضلع نخِر فيه، تلتفت فإذا أنت عظام نخرة، ولكن رئتيك تعملان، وجلدك المتكعمز يخبّئ في ثناياه أقاصيص لا أحد يلتفت إليها في غمرة التراكض في اتجاه ريح غدوّها ورواحها تجري هندسته شواطئ بالغة البُعد، وبالغة الرداءة. وتواصل التقلّب، تقنع نفسك أنه لا يعدو حلماً، لكن الجاثوم لا ينقشع... لا يقوم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية