أسابيع ثقيلة هذه التي نمرّ بها، وقد ناءَ الليلُ علينا بكلكله، حتى باتت عملية التنفس صعبة وثقيلة جداً، ولا يمكننا حتى تذوّق طعم الابتسامة، فليس سهلاً على النفوس أن تصحو على هذا الصدع الكبير الذي حدث في العلاقات الإقليمية.

ولطالما مرّت العلاقات الخليجية ببعض التوترات، وبعض المناوشات الكلامية، وكنا نعتقد أن سحب سفراء بعض دول المنظومة من الدوحة في 2014 أقصى ما يمكن أن تصل إليه الأمور، ولكن ما يحدث اليوم أكبر من هذا، وأكثر عمقاً وإيلاماً، وكذلك هو أطول مدة من سابقيه، وأعلى صوتاً وضجيجاً، فالطبول في كل مكان تُدقّ، ويزداد عدد القارعين عليها، وتتكاثف النغمات وتختلط بشكل لا سابق له.

في بدايات الأزمة كان الأمل يحدونا أن تحلّ سريعاً، وأن يجري تجنيب شعوب الدول الدخول في هذا الخلاف على اعتبار أنه من اختصاص دوائر صنع القرار في الدول الأربع المختلفة، وكذلك الحال في الدولتين اللتين حاولتا ملامسة الموضوع بشكل أو بآخر بغية الحل.

ولكن، مع مرور الأيام اتسع الحريق شيئاً فشيئاً لتدخل وسائل الإعلام بقضّها وقضيضها في المسألة، وباتت الإدارة إعلامية بدلاً من أن تكون سياسية فقط، وصار الجميع يكتب، ويحلل، ويدّعي الفطنة في كشف الأحداث، وتتبع المجريات، واستشراف المستقبليات، ورسم السيناريوهات، وفجأة اكتشفنا أطناناً من المحللين السياسيين بين ظهرانينا الذين بدأوا يرسلون الرسائل المختلفة.

لكن هذه المرة نزلت المسألة إلى الناس، الذين لم يستفيدوا من الأحداث السالفة، فبدأ البعض يغرف من أسوأ مخزوناته اللفظية، وحيله الكلامية للرد، وعادت اللغة لتنحطّ تتردى تحت غطاء الحماس، والاندفاع. حماس الجماهير دائماً أكثر من حماس اللاعبين في الملاعب، وكذا حماسهم في القضايا السياسية وغيرها، فربما من السوء والخطر أن يدخل الناس في النقاشات أفواجاً وجماعات وهم لا يعرفون عن أصل القصص إلا أقل القليل، وما يراد لهم معرفته وحسب، بينما الملفات الأساسية في يد المسؤولين أنفسهم، يديرونها، ويفاوضون عليها، ويطرحون من الأوراق على الطاولات، وهناك ما تحت الطاولات ووراء الأبواب ما يجري التفاوض عليه.

غداً أو بعده، سيجري التفاوض، وستكون هناك مكاسب وخسائر، وتنازلات وعطاءات، حتى تجري التسوية، ولن تبقى في النفوس والذاكرات إلا أسوأ الكلمات التي قيلت، وأقذعها، وأكثرها قبحاً وانحطاطاً.