+A
A-

العدل تنظم منتدى "وثيقة المدينة.. عقد مواطنة"

تحت رعاية الشيخ خالد بن علي آل خليفة وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، نظمت إدارة الشؤون الدينية بالوزارة منتدى وثيقة المدينة التي صيغت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كعقد مواطنة لأهل المدينة المنورة، وبحضور نخبة من رجال الدين من الطائفتين الكريمتين وقساوسة من الكنيسة في مملكة البحرين.
وفي كلمته قال وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف إن مما نفتخر به في مملكة البحرين قيادتها الحكيمة الرشيدة التي سارت على النهج الحضاري الإسلامي مقتدية بالهدي النبوي الشريف في إرساء مبادئ المواطنة الصالحة، حيث تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه بمشروعه الحضاري عبر ميثاق عمل وطني وعقد اجتماعي عزز ورسخ لدولة مدنية حضارية تحتضن جميع مواطنيها، وتدفع بطاقاتهم الإبداعية إلى التعاون والإنجاز من أجل التقدم والرخاء.
وأكد الشيخ خالد أن ميثاق العمل الوطني الذي نادى به عاهل البلاد أيَّده الله قد أسهم بجلاء في الانطلاقة العصرية لمملكة البحرين، حيث لا فرق بين مواطن وآخر ولا تمييز بين مواطن وآخر مما يعزز الوحدة الوطنية، ويقوي لحمة المجتمع، ويدعم مسيرته التنمية والتقدم والبناء، وقال إن ذلك قد تجلى في دستور مملكة البحرين بتأكيد هذه المبادئ انطلاقاً من قيم ديننا الأصيلة، وحفاظاً على مكتسباتنا التاريخية حيث كانت البحرين منذ قديم الزمن ولا تزال ملتقى للأديان والحضارات ورمزاً للوسطية والاعتدال.

ووصف وزير العدل وثيقة المدينة بالإنجاز الحضاري الذي سجله التاريخ بأحرف خالدة ليعكس بجلاء سمو المبادئ التي قامت عليها حضارة الإسلام على يد خير الأنام محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وقال إن تلك المبادئ السامية والقيم العليا التي تضمنتها شريعة الإسلام الغراء، تُجَسِّدُ بحق عالمية الإسلام وعدله وتسامحه وانفتاحه، وتؤكد أنه دين الإنسانية المتجدد مع كل عصر وزمان.
وأكد الشيخ خالد بن علي آل خليفة على وثيقة المدينة أرست مبادئ الحق والعدل والسلام والحرية والتعددية، والعيش الإنساني المشترك، التي شيد بها المسلمون أعظم وأسمى حضارة عرفها التاريخ الإنساني، أُسِّسَتْ على العدل والسماحة والمساواة، ليستظل بظلها كل البشر دون تمييز، وكان المؤسس الأول لتلك الحضارة يستنير بهدي ونور الوحي المبارك، ليقيم مجتمعاً حضارياً يُحفظ فيه أمن الناس ويصون أرواحهم وأعراضهم وأموالهم.
وأعرب وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، عن فخر الأمة الإسلامية بالإرث الحضاري لديننا الحنيف، الذي عاش الناس في ظل حضارته آمنين مطمئنين، حيث ضمن لهم الإسلام عيشاً إنسانيا كريماً لا فرق فيه بين أحد ولا تمييز فيه بين الناس على أساس دين أو عرق أو لون أو جنس، مشددا على أن المعالم والقيم والمبادئ الخالدة سجلها التاريخ مَفْخَرَةً للإنسانية كلها، وباتت عقد المواطنة الأول وما عرف بوثيقة المدينة.
وأوضح الشيخ خالد آل خليفة أن ذلك العقد كان سبقا حضاريا للإسلام ويُعَدُّ أحد النماذج التنظيمية الراقية التي أبدعتها الحضارة الإسلامية، لِتُثْبِتَ واقعاً أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، مُؤَسِّسَةٌ بذلك معايِيْرَ المواطنةِ الصالحة، التي يتعايش في ظلها جميع المواطنين بحقوق ومسؤوليات مشتركة.
وأضاف: إن وثيقة المدينة التي أبرمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين واليهود جميعاً الذين عاشوا بالمدينة جنباً إلى جنب مع المسلمين؛ تُعَدُّ عقد مواطنة يمنح المواطنين كافة على اختلاف أديانهم ومذاهبهم حقوقاً متساوية، ليؤدوا دورهم كاملاً في خدمة ورقي وتقدم وطنهم وارساء المسئولية الاجتماعية المشتركة.
وفي الجلسة الأولى من المنتدى قدم علي الأمين تعريفا بالوثيقة، وقال إنه عندما تتعدد الجماعات والأفراد وتتعد الثقافات والأديان في الأوطان فلابد من إيجاد صيغة عملية للجمع بين هذه الأفراد الذين اختلفوا في الهوية الدينية، حيث لا يكاد يخلو وطن ولا شعب ولا أمة من خصوصية التعدد في الثقافات والأديان والثقافات والأفكار، وتوصل جمع من العلماء إلى صيغة طبقتها دول في العصر الحديث، وهي صيغة المواطنة بعيدا عن موجبات الاختلاف بين الأفراد والجماعات، ويرى البعض أن هذه الصيغة من نتاج الفكر المعاصر وأنها من فكر الغرب ولا تصلح للعمل بها، لكنها كانت موجودة في العصر الإسلامي ممثلة في وثيقة المدينة المنورة بعد وصول الرسول ص للمدينة وبروز تعددية الخلاف بين المهاجرين والأنصار مع وجود مؤمنين بالديانة الإسلامية إلى جانب التركيبة القبلية.
وأوضح الأمين أن الوثيقة وبنودها التي أرست بداية ولاية وصيغة جديدة ينتظم فيها المجتمع التعددي تقوم على مقومات العيش، حيث تم الاتفاق على أن المرجعية لله ورسوله وأن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم وأنه لا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن على اليهود نفقتهم والمسلمين كذلك وأن على الجميع المشاركة في نفقات الدفاع عن المدينة وأن بينهم النصر على من حارب هذه الصحيفة أو الميثاق وأن بينهم النصح والبر دون الإثم وأن من ارتكب حليفه خطأ يبقى التحالف قائما ولا يؤثم الآخر، وان من خرج آمن ومن قعد آمن إلا من ظلم وأثم ولا يحل لمؤمن أقر بهذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يأويه وأن من ناصره وآواه عليه لعنة الله وغضبه.
وأشار الأمين إلى أن الوثيقة شكلت نظاما للتعايش المشترك وهو ما ينطبق على المنظور المعاصر، وقال إن المستفاد من القرآن والسنة هو أن بناء المجتمعات يعتمد على الأمور التي يشترك فيها جميع مقوماته في الوطن وهذا ما ينسجم مع اعتماد الهوية الوطنية التي يحملها الفرد ويشترك معه آخرين، فليس في الإسلام ما ينتفي مع قاعدة المواطنة والمساواة في الحقوق مع اختلاف هوياتهم الدينية والثقافية بل يعد هذا الأمر موافقا لقاعدة العدل والإنصاف في آيات عديدة بالقرآن.
وأكد أن الوثيقة وضعت عقد المواطنة وجعلت الوحدة جامعا لهم وتضمنت عقدا اجتماعيا أرسى الأخوة بين المهاجرين والانصار وجمع اليهود والذين لم يؤمنوا بالإسلام بعد وكفلت لهم حقوقهم في الوطن، وكانت منطلقا للعيش المشترك.
وعرج على ميثاق العمل الوطني مؤكدا أنه لم يتعارض في بنوده بل اتفق مع وثيقة المدينة وفقا لما طرحه جلالة الملك.
وتناول محمد عبدالغفار الشريف في كلمته ماهية عقد المواطنة وآثاره، قائلا إن التعارف ينتج عنه تعاون وترابط وقد نبه الله المسلمين بأنه لا يقوم مجتمع إلا على التعاون والتآلف والتكاتف، وعندما جاء الرسول ص إلى المدينة، بدأ بكتابة العقد وسمي عقدا وصحيفة واختلف متى كتبه، لكن أراد الرسول في هذه الوثيقة أن يحدد العلاقة بين المواطن والدولة، ومثلت تلك الوثيقة أول دستور وأول قانون خاص بين المواطنين والحكومة المتمثلة في الرسول ص، وكانت قانونا عاما في العلاقات الدولية في الحرب وكيفية علاقة المسلمين بغيرهم من الناس، وحدد في هذه الوثيقة علاقة المسلمين بعضهم ببعض، وكذلك علاقتهم بغيرهم من الديانات الأخرى حيث كان اليهود وبعض الوثنيين، ومن المسلمين الذين ليست لهم قبائل وجاءوا من خارج المدينة.
ولفت الشريف إلى أن العلاقة بين تلك الطوائف بالمدينة مبنية على المسؤولية الفردية، فلا يجني أحد على قبيلته، وعلى عكس ما كان معروفا لدى العرب في هذا الزمن مثل الأخذ بالثأر من أقرباء القاتل،وقال إن الوثيقة أنحت بتحمل المسؤولية على الدولة ففي حدوث اختلاف رجعوا للرسول الذي مثل السلطة التنفيذية والقضائية، وحتى في عهد أبو بكر تم فصل السلطات حيث قال أيها الناس إني وليت عليكم وليس بخيركم وإذا أحسنت فأعينوني وإذا أسأت فقوموني.
وأكد أن السيرة العملية أثبتت أن الرسول لم يتدخل في الأحوال الشخصية لليهود والآخرين وترك ذلك لهم إلا إذا رجعوا له ليحتكموا له، وقال إن الدولة الإسلامية في علاقتها، دولة أيديولوجية ولكنها مدنية ولم تكن دولة ثيوقراطية يكون فيها الحاكم معصوما، فالحاكم فيها ينتخب بإرادة الشعب ويحاسبه الشعب وحاله كحال أي إنسان، إلا أنه ينفذ القانون على الجميع بما فيهم نفسه، وحقوق المواطنة فيها تشمل واجبات المواطن الذي هو خفير على أمن البلد ومكتسباتها ويجب أن يشارك في ميزانية الدولة، والتي كانت تسمى الزكاة للمسلمين ولغيرهم الجزية، ولفت إلى أن الجزية كانت ربما أخف من الزكاة، التي كانت تحتسب عن الأطفال والنساء والعبيد، وهو ما لم ينطبق على الجزية.
وأكد الشريف أن الرسول ص أقام دولة العدل فاستطاع في فترة وجيزة أن ينشر الدين في العالم، وقال إن الذين يريدون قيام دولة الخلافة يستخدمون ميزانا أعوج ولذلك لم يسلم من أذاهم مسلم أو غير مسلم لأنهم بنوا دولتهم على الجهل والكراهية.
وقدم قيس محمد آل مبارك شرحا للدولة المدنية الحديثة من منظور إسلامي، وقال إن كل بند من بنود السلم والحرب والعلاقات الدولية منصوص عليها في كتب السنة والفقه للأئمة العظام، وقد اشتهرت صحيفة المدينة وثبت أصلها في الصحيحين، ووردت كثير من نصوصها ضمن أئمة السيرة، وتلقاها أهل العلم بالقبول فهي صحيحة لا إشكال في صحتها، وقد كانت تعتبر دستورا بين المقيمين في المدينة على اختلاف أجناسهم وأعرافهم وأديانهم وعقائدهم، ونصت على أن الكفر ليس سببا لقتل الناس والإساءة إليهم "الذمي كالمسلم في ماله وعرضه" وأن العقوبة كانت الخروج عن النظام، مشيرا إلى أن الله جعل المرء مدنيا بالجبلة وأن يعيش بين جماعة ينظمها نظام واحد، وأضاف قائلا: إن إباحة باب الاجتهاد فتحت علينا نيران، وهو فقه أجوف لا يستند إلى أصول ويؤدي إلى الفوضى التي وقعنا فيها،
وقدم عدنان القطان تعريفا بالمواطن الصالح في كلمته إلا أنه أثنى على جهود وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في تقديم منتدى مماثل، معربا عن شكره إلى معالي وزير العدل الشيخ خالد بن علي آل خليفة، وقال إن المحبة للأوطان والانتماء للأمة والبلدان أمر غريزي وطبيعة طبع الله النفوس عليها، فحين يولد الإنسان في أرض وينشأ فيها ويحيا بين أهلها فإن فطرته تربطه بها ويحبها ولذلك جعل الموت دفاعا عن الدين والوطن شهادة.
وأشار إلى وصف المواطن في مقاصد الشريعة، بأنه كل إنسان نشأ في وطن يعيش فيه ويتحمل الجميع واجب الذود عن أراضيه ومن يخالف ذلك وينتهكه فهو منتهك لعهد المواطنة والمستخلفين معه في الوطن، وأن المواطن الصالح هو الذي يراعي حقوق دينه ووطنه ومجتمعه وولاة أمره، وأن المواطنة الصالحة تتمثل في الشعور بالانتماء للوطن وبذل الغالي والرخيص فداء لترابه.
كما أشار القطان إلى أن المواطن الصالح المحب لوطنه، يلتزم بتعاليم دينه ويسمع ويطيع لولاة أمره في غير معصية الله ويحافظ على مكتسبات الوطن ويحافظ على أمنه ويتكاتف ويتعايش مع مكونات الوطن فيتصدى لكل من يريد النيل من الاستقرار والأمن بالوطن، وينشر الأمل ويجدد الثقة بوطنه وقياداته والمقيمين فيه ومجتمعه، ويحافظ على البلاد وأنظمتها ويؤلف بين القلوب ويدعو لتوحيد الصفوف وينأى عن العصبية والطائفية ويدعو للمحبة والوئام
وقال القطان إن كل إنسان ينشئ أسرة صالحة ويغرز في قلوبها حب وطنهم وقياداتهم ويحذرهم من غلاة التشدد والتطرف هو مواطن صالح، وكذلك هو الموظف والمسؤول الذي يساعد الجميع ويحافظ على المال العام، هو المعلم الذي يبني الأجيال، والعالم والخطيب والداعية والواعظ الذي يتحرى الحقائق وينقل الكلمة الصادقة ويدعو للتحلي بالقيم والأخلاق ولا يحرض ولا يشوش، وهو ذاك الكاتب والصحفي والإعلامي والحقوقي الذي يتحرى الحقيقة ولا يدلس ويكذب ولا يستقوي بالخارج ليضرب الداخل ويحرص على بلده من النيل الخارجي، وأكد أن كل مواطن هو حارس على المجتمع.


وتطرق محمد حسن عبدالمهدي إلى التحديات التي تواجه الوحدة الوطنية، مشددا على أنها القاعد الكبرى لنماء الوطن ووحدته ومن خلالها تتشكل، وقال إن ضعف الوحدة الوطنية ينبئ عن ضعف الوطن، وقدم تعريفات للوحدة من منظور المجتمعات المتنوعة واختلاف تعريفاتها، وأوضح أنها تتفق حول وجود الترابط بعيدا عن الاختلافات المتنوعة مع عدم الغاء خصوصية وأفكار كل جماعة وعدم تقديمها أمام المصلحة العليا للوطن.
وأكد عبدالمهدي على أن الإسلام هو أول من أصل لمفهوم الوطنية بمفهومها الواسع، وأولى الوحدة الوطنية أهمية كبيرة حين قال " لا فرق بين أبيض ولا أسود ولا غني ولا فقير" وأن التفاضل بالتقوى والعمل الصالح، لافتا إلى أن الوثيقة نصت على البر وحسن الجوار والإنصاف.
وقدم مال الله الحمادي مقارنة بين أحكام ميثاق العمل الوطني وعلاقتها بوثيقة المدينة، مشيرا إلى أن الميثاق مثل نمط حياة جديد لشعب البحرين وخطوة مدروسة وحكيمة من جلالة الملك نحو الانتقال بالبحرين للدول العريقة فحرص جلالته على مشاركة الشعب في القيادة، وكرس - من خلال الميثاق - أسس الوحدة الوطنية نتيجة قيامه على أسس الود والتلاحم والرغبة في تطوير نمط الحياة وتوفير سبل الحياة الكريمة وقال إنه يعتبر صفحة بيضاء في تاريخ البحرين.
واستعرض مال الله الحمادي تاريخ ميثاق العمل الوطني حين رفع في العشر الأواخر من شهر رمضان فسمي وقتها بوثيقة رمضان، مشيرا إلى أن الميثاق استقى بنوده من وثيقة المدينة، والتي تمثلت في حرية العقيدة والتعايش مع الآخرين ومشاركتهم في بناء الدولة، حيث اعتبرت وثيقة المدينة العدل والمساواة من اسس استقرار المجتمع، فيما جاء في ميثاق العمل الوطني ما ورد بالمقومات المجتمع، من حيث كفالة الحريات الشخصية والمساواة وأن يقع على الدولة عبء كفالتها للجميع.
كما لفت إلى مبدأ سيادة القانون في وثيقة المدينة، وما ورد بأنه لا يحل لمؤمن أن يأوي مجرما، كما أقرت 
الوثيقة مبدأ قضائي وهو المسؤولية الجنائية الشخصية، بينما جاءت بنود ميثاق العمل الوطني لتؤكد على أن المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم، وأن العقوبة شخصية والمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.
وورد بوثيقة المدينة مبدأ الحرية الاقتصادية والدفاع المشترك والتي استقاها ميثاق العمل الوطني في بنوده بهذا الشأن فيما يتعلق بحرية التعبير أو النشر والبحث العلمي وحرية تكوين الجمعيات.