+A
A-

المشعل... العسكري المنضبط ورجل الأعمال المجازف

* أكبر تكريم لي خدمتي ضابطًا في قوة دفاع البحرين

* الحياة كالقطار وعليك اتخاذ القرار الصائب بأي محطة تترجل

* الصدفة ساقتني إلى دخول نشاط تنظيف البحر من النفط 

* "حرب الخليج" دفعت بأعمالي نحو النمو والازدهار

* فكرة خوض انتخابات برلمان 2018 تحت الدراسة

 

ضيفنا اليوم في "لقاء الأحد" هو شخصية عصامية تمكنت من بناء نفسها، واغتنام الفرص المتاحة مع بذل الجهود لتأسيس مجموعته الخاصة بدعم من أسرته وزوجته.

كما يعتبر شخصية اقتصادية وسياسية في ذات الوقت، حيث بدأ حياته المهنية ضابطًا في قوة دفاع البحرين وانتقل بعدها للعمل في مجال الأعمال وتأسيس مجموعته الخاصة "مجموعة المشعل"، وخلال رحلته المهنية تمكن من تحقيق نجاح وراء آخر ولم يستسلم لأي فشل أو عثرات خلال دربه الطويل.

"البلاد" التقت رجل الأعمال والمحلل الاقتصادي والسياسي، يوسف المشعل، الذي رشّح نفسه للانتخابات النيابية في عام 2002 إلا أن الحظ لم يحالفه للفوز، حيث دار الحوار التالي معه حول الجانب الآخر من شخصيته:

 

* كيف كانت نشأتك ودراستك؟

- عائلتي من نازحي فلسطين عام 1948 وأنا ولدت في الأردن العام 1959، وقدمت مع عائلتي إلى البحرين عندما كنت طفلاً صغيرًا، وقد درست في مدرسة عبد الرحمن الداخل الابتدائية في القضيبية وبعدها مدرسة الرفاع الغربي الإعدادية، ثم انتقلت إلى مدرسة مدينة عيسى الثانوية، وعندما أنهيت الثانوية العامة سافرت إلى الولايات المتحدة الأميركية في بعثة دراسية من قوة دفاع البحرين لدراسة الهندسة ثم عدت للمملكة للعمل ضابط مهندس في قوة دفاع البحرين، إلا أن الدراسة بقيت هاجسي، حيث أكملت الماجستير في الإدارة من أميركا، ثم الدكتوراه في العلوم السياسية والاقتصاد من بريطانيا.

 

* حدثنا عن بدايات مشوار العمل؟

- بعد تخرجي خدمت في قوة دفاع البحرين ضابطًا لفترة من الزمن، ثم دخلت معترك العمل الخاص في العام 1983 ومازلت مستمرًّا حتى الآن.

 

* كيف تصف تجربتك في خوض تأسيس العمل؟ وكم كان رأس المال آنذاك؟

- بدأت برأسمال 1.4 ألف دينار، وتعود القصة إلى أن إحدى الشركات خاطبتني وأخبرني مسؤولها ببحثهم عن شخص يتعاملون معه في البحرين لاستلام وتوصيل الطلبات إلى ناقلات البترول، ويحصل نظير ذلك عمولة "كومشن" بنسبة 25 %. وقد استثمرت المبلغ لهذا الأمر وكانت محطة تستحق الإقدام عليها.

 

* كيف سمعت عن فكرة هذا المشروع؟

- جاءت هذه الفرصة عندما تقابلت مع شخص من هولندا، وأخبرني أنهم يبحثون عن شخص يعمل معهم بالعمولة "كومشن"، وكنت وقتها أعمل في القطاع العام، وبعد دراسة الأمر قررت دخول هذا المجال وباشرت بتجهيز نفسي لإنجاح هذه الفرصة، وقد استلمت "تلكس" لإيصال أول شحنة إلى إحدى ناقلات النفط نظير عمولة. وقد كنت أقوم بجميع الأعمال من استلام الطلبات واستئجار الشاحنات وتحميل البضائع مع العاملين وتوصيل الطلبات.

 

* كم كان عدد الموظفين العاملين معك في البداية؟

- لم يكن لدي مال لدفع رواتب للموظفين، ولذلك كنت الموظف الوحيد وأعمل ما بين 16 إلى 18 ساعة يوميًّا. ثم استأجرت بعد ذلك غرفة صغيرة في المعامير كانت مكتبًا ومستودعًا في ذات الوقت.

 

* حدثنا عن تنفيذ المشروع؟

- التفكير وعمل دراسة جدوى إقامة المشروع استغرقت نحو عام واحد تقريبًا، ووجدت أن السوق لا تحتوي على هذه المواد، وعندما وصلت أول طلبية لم يكن يفترض أن أبيعها، لكن بعد الاطلاع على مواصفات المواد التي يتم بها تنظيف السفن، وبالتالي بإمكانها تنظيف مصنع أو مكائن المصانع، ولذلك بدأت أروّج المواد وأسوّقها إلى المصانع العاملة في تلك الفترة أهمها شركة ألمنيوم البحرين "ألبا" وشركة نفط البحرين "بابكو" ولقيت طلبًا كبيرًا، وتمكنت في غضون 10 أيام من بيع الشحنة الأولى كاملة - ولم يكن يفترض أن أبيع هذه المواد - وطلبت شحنة ثانية مما أدى لتخوف العاملين في الشركة الهولندية وتساءلوا عن سبب بيعي المواد، وبعد أن شرحت لهم الأمر قدم أحد المدراء بالشركة بعد قرابة شهر ونصف، واطلع على سير الأمور واطمأن على صحة جميع الإجراءات، وعرض علي أن أصبح وكيلاً لهم في البحرين، إلا أنني طلبت أن أصبح وكيلاً لدول الخليج، بعد أن سافرت إلى هولندا وأكملت تدريبي على المواد ووسائل بيعها. بدأت بعد ذلك بتسويق وبيع المواد الكيماوية للتنظيف في البحرين ودول الخليج، وقد لاقت رواجًا كبيرًا.

 

* من وقف بجانبك؟

-  عائلتي وقفت إلى جانبي وساندتني بكل ما أقوم به وبكل القرارات التي أختارها، كما ساندتي زوجتي ووقفت بجانبي خصوصًا منذ اليوم الأول، وكونها متخصصة في مجال السكرتارية والإدارة استطاعت مساعدتي في بناء عمليات المكتب الإدارية والحق يقال إن جميع العائلة دعموني معنويًّا إلى أن تمكنت من الوقوف على قدمي.

 

* هل تحدثنا عن عائلتك الصغيرة؟

- تزوجت مباشرة بعد تخرجي من الجامعة ورزقني الله بثلاثة أولاد، وكانت أمنيتي الوحيدة أن يتلقوا أفضل تعليم بغض النظر عن التكاليف لأنني أعتبره استثمارًا أولاً في عائلتي ثم استثمارًا للعمل والوطن نفسه، أولادي ولله الحمد أنهوا دراستهم العليا، وكلّهم الآن في وظائف مرموقة وأعتبرها من أهم الأمور التي أنجزتها في حياتي.

 

* بالحديث عن الأبناء كيف استطعت التوفيق بين حياتك العملية والأسرية؟

- تزوجت وأنا لا أزال أعمل في قوة الدفاع، وعندما أخذت قراري بترك القطاع العام ودخول القطاع الخاص كان لدي ابنان صغيران في السن وزوجتي ربة بيت، ولذلك كانت مجازفة كبيرة وكان لها تأثير علينا جميعًا، وشخصيًّا أرى أن الحياة كالقطار بحيث تمر على الإنسان محطات وعليه أن يختار النزول في المحطة أو البقاء في القطار.

 

* كيف تطورت الأعمال؟

- عملت في المواد الكيماوية وبعد أن تمكنت من فهمها واستيعابها، اتفقت مع الشركة الهولندية للانتقال من موردين إلى مصنعين بعد 4 سنوات من بداية العمل أي في عام 1987 - 1988، وقد بدأنا بجلب خلطات مركزة وخلطها في البحرين، وعندما حدثت الحرب بين الكويت والعراق في أغسطس 1989 رغم أنها كانت أحداثًا مؤسفة إلا أنها ساعدتني على النمو بسبب زيادة الطلب على المواد الكيماوية لأن أكثر من نصف مليون جندي من دول العالم متواجد في دول الخليج وسفن كثيرة والعديد من ناقلات النفط وآبار النفط التي تحتاج إلى صيانة بعد احتراقها، وقد كانت دفعة للعمل وساهمت في نمو الأعمال وازدهارها بنسبة 200 %.

لقد كان الطلب كبيرًا في ذلك الوقت على المواد الكيماوية الأخرى التي كنت أستوردها من دول أوروبية إلى البحرين، وفي عام 1995 بدأت أفكّر جديًّا في التصنيع وافتتحت مصنعًا للمواد الكيماوية بـ3 خطوط إنتاج في مجال صيانة آبار النفط والمجال البحري الصناعي والمجال المؤسساتي الفنادق والمستشفيات والمنازل والمواد التي تدخل في تنظيف البيوت، وقد توسعت الأعمال في التصدير إلى خارج البحرين حيث يتم تصدير نحو 85 % من الإنتاج.

وبعد حرب الكويت والعراق دخلت في مجال التنظيف الكيماوي وتنظيف آبار وخزانات وناقلات النفط، وهذه كانت فرصة ثانية أتت بعد أن التقيت مع اثنين في الطائرة صدفة في أواخر عام 1992، كان لديهما مشروع لتنظيف البحر من النفط فتعاقدت معهما ومنذ ذلك الوقت نعمل في هذا المجال.

ولديّ حاليًّا مصنع للكيماويات ونتعامل مع تجار كيماويات عالميين في البيع والشراء، وكذلك مقاولات صيانة للمصانع وآبار النفط.

وحاولت التوسع في قطاعات أخرى، إذ دخلت في صناعة الأثاث وفشلت كما دخلت في قطاع الأغذية والمشروبات، حيث فتحت مقاهي إلا أن هذه التجربة لم تنجح هي الأخرى، ولكني اعتبرتها محطات في الحياة أستفيد وأتعلم من تجربتها.

ومؤخرًا، أي قبل نحو 3 سنوات توسعنا في صناعة البلاستيك وتم تأسيس مصنع متكامل لتصنيع المواد البلاستيكية في عام 2012 لتغطية حاجتنا من المواد البلاستيكية، إضافة للتصدير للخارج.

 

* ألم تفكر بعمل أبنائك معك؟

- لدي وجهة نظرة تعمقت فيها بعد حصولي على الدكتوراه، إذ خلال تحضير رسالة الدكتوراه وكان بها قسم عن الشركات العائلية في العالم العربي وتحليلها وجدت من لقاءاتي مع أصحاب الشركات العائلية في البحرين والخليج ومصر وتونس والمغرب وبعد سؤالهم عن عمل أبنائهم، جميعهم تقريبًا لم يكونوا راضين عن أدائهم لأن الأب يصعب عليه أن يتقبل أداء ابنه الأفضل منه والابن لن يتقبل أداء والده الذي يعتبره قديمًا. لذلك قرّرت أن يلتحق أبنائي بسوق العمل ليتعلموا بأنفسهم ويدركوا قيمة العمل والراتب الذي يتلقونه وتراتبية العمل على أصولها.

وقد درس أبنائي الثلاثة في بريطانيا البكالوريس، وطلبت منهم بعد الحصول على الشهادة الالتحاق بسوق العمل هناك لفترة ليتمكنوا خلالها من الحصول على شهادة الماجستير، كما تعلموا أن العمل مقدس، وبعد عودتهم عملوا في البنوك في البحرين رغبة في بناء شخصيتهم العملية.

 

* الانتخابات البرلمانية والترشح لها.

- تزامنًا مع دراستي الدكتواره في عام 2000، ومع بداية المشروع الإصلاحي لجلالة الملك بدأت الأمور تتغيّر وتختلف، فالعمل وصل إلى مرحلة عالية ومتوازية وبه إدارة كفء، مما جعلني أفكر في واجبي الوطني وماذا أستطيع تقديمه إلى البحرين تأدية للواجب. وبدأت في الأمر الذي أحبّه وهو الاقتصاد والعلوم السياسية فدخلت المعترك بعد أن تبلور المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، وفي سنة 2002 ترشحت للانتخابات البرلمانية لأثبت للعالم ككل أن المشروع الإصلاحي لا يفرّق بين المواطنين ومكانة ولادتهم وأصولهم، وهو مشروع سياسي إصلاحي، ولم أترشّح بهدف الفوز.

وشهدت البحرين تغييرات كثيرة منذ البرلمان الأول في عام 2002 إلا أنه للأسف لم يتم الاستفادة من السياسة في تنمية المشروع الإصلاحي وتمت مقاطعتها وجرى جدل كبير، ولذلك لم يكن المجلس النيابي الأول بالقوة المتوقعة له كأول مجلس نيابي في المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.

وقد ساهم المشروع الإصلاحي في إعطاء البحرينيين الحق في تكوين أحزاب سياسية وصدرت قوانين بهذا الخصوص وتم تكوين جمعيات وكتل سياسية إلا أنها للأسف لم تستطع العمل في السياسة.

وقد دخلت المعترك السياسي لأنني مؤمن أن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك هو المشروع الذي يجب أن نعمل لإنجاحه.

وحاليًّا أقضي أكثر من 60 % من وقتي الخاص في كتابة التحليلات السياسية وأصبحت محللاً معتمدًا من جمعية المحللين السياسيين في أميركا وأكتب مقالات وأعد دراسات عن الوضع العالمي ككل.

 

* ألم تفكر بخوض تجربة الترشح مرة ثانية للانتخابات النيابية؟

- كانت لدي نية للترشح مرة ثانية في عام 2010 خصوصًا أن البرلمان في تلك الفترة كان يتمتع بالقوة، إلا أنني قررت عدم الترشح لأن الشخص الذي يترشح بصورة مستقلة دون دعم من جمعية سياسية لن يمنحه الدعم المؤسسي للجمعية داخل البرلمان، بالإضافة إلى أن المترشح لن يكون لديه القوة والمقدرة لإعطاء ثقافته وخبرته، ولذلك لم أترشح. ولكن مع تغير أمور كثيرة في السنوات القليلة الماضية واقتراب انتخابات 2018 الفكرة لخوض الانتخابات ما زالت تحت الدراسة.

 

* الجوائز والتكريم في حياتك.

- كان أكبر تكريم لي هو خدمتي ضابطًا في قوة دفاع البحرين. وكرمني سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في عام 1995 بجائزة رجل الأعمال البحريني الأول. وفي عام 1998 حصلت جائزة أفضل اسم سجل تجاري عالمي في المواد الكيماوية المنزلية من مؤسسة "ترد ان انفست" السويسرية.

وشخصيًّا أعتبر تكريم رجل الأعمال هو نجاحه ونظرته للأهداف التي وضعها وحققها. فخلال رحلتي العملية وأداء الواجب وبالإضافة للعمل لم أنس الواجب المجتمعي فاشتركت في جمعيات تطوعية من الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة ونادي الروتاري وأسست الجمعية البحرينية لتنمية الصادرات والجمعية الخليجية لمنتجي المنظفات الكيماوية وجمعية التبادل الثقافي البحريني الأميركي ومازلت عضوًا فاعلاً فيها.

 

* الرياضة في حياتك.

- لعبت كرة السلة في الجامعة لكن مع الانشغال بالعمل ليس لدي الوقت إلا للرياضة البسيطة في الصالة الرياضية.

 

* آخر كتاب قرأته.

- القراءة لشخصية المحلل مقدسة فأقرأ دراسات وتحليلات يوميًّا من جميع أنحاء العالم، وبالنسبة للكتب أعتبر أجمل كتاب قرأته باللغة الإنجليزية عنوانه "الاقتصاد السياسي للعولمة وأخرى في العلاقات الاقتصادية الدولية".

 

* ما الدروس التي تعلمتها في حياتك؟

- الكثير من الأمور تؤثر على الإنسان في عمله أولها في حياتي الخاصة تربيت على يد والدي تربية عسكرية لأنه كان عسكريًّا، وهذا الأمر له فوائد كثيرة في الحياة، كما تعلمت من خدمتي العسكرية الانضباط والإدارة وكيفيتها وهي نقطة مهمة ساعدتني كثيرًا وما زالت.

كما أن قرار انتقالي من الوظيفة العامة إلى القطاع الخاص كان قرارًا قويًّا وصعبًا في ذات الوقت للانتقال من راتب مؤمّن شهريًّا إلى شيء غير معروف وغير مؤكد، وأني مؤمن أن المجازفات المدروسة توجب الاستثمار فيها وهذه كانت من مجازفات الحياة التي يجب أن يأخذها الإنسان ويقررها، فحياة الفرد مثل القطار وفيها محطات يختار النزول في أي محطة منها وإذا لم تنجح باستطاعته ركوب القطار والانتقال للمحطة التالية.