يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رحم الله امرءا اكتسب طيبا، وأنفق قصدا، وقدم فضله ليوم حاجته”، جوامع الكلم تغني عن مفصلات ذات بيان عال. إن ترشيد الإنفاق من المطلوبات على مستوى الفرد والدولة كذلك، ولكن هذا الترشيد وجب أن تكون سمته الاستمرارية، فلا تبذير عند زيادة الغلة، ولا تقتير عند ضعفها، هكذا يجب أن تكون “سياسة عامة”.

تمر بالدول دورات اقتصادية ما بين انتعاش وركود أو تدهور، ولكل حالة سياسات مالية خاصة وجب أن تتبع لمعالجتها، فمثلا في الانتعاش نزيد الضرائب والتكاليف العامة المالية ونكون فوائض تدخر ليوم الحاجة، وفي الركود نعفي ونخفض الضرائب ونحفز الاقتصاد بما ادخرناه في فترة الانتعاش، وهذا السلوك الاقتصادي للدولة يقيها برد الشتاء وحر الصيف، فمثلا في فترة ارتفاع أسعار النفط قامت حكومة الكويت بزيادة النسبة المستقطعة من كل برميل نفط لتوضع في حساب صندوق الأجيال القادمة، ما يخدم إذا مصالح الأجيال القادمة، ويرسم خططا واستراتيجيات طويلة الأجل. 

في عام ١٩٨٦ عندما حصل انهيار أسعار النفط وما صاحبه من تدهور في قيمة الدولار الأميركي وهو ما أثر بشكل بالغ على الدول النفطية، وأيضا انحسرت موارد التمويل الخارجي والمساعدات عن الدول غير النفطية مما سبب أزمة مالية كبيرة لهذه الدول كان الحل أن تتخذ هذه الدول “سياسات تصحيح” تستهدف الحد من الإنفاق العام، ولكنها كانت سياسات آنية دون تخطيط طويل الأمد، وهو ما دفع الدول العربية وفق ما يظهر في التقرير الاقتصادي العربي الموحد - الصادر عن جامعة الدول العربية - لأن تخفض النفقات بأن تخفض أو تلغي الدعم المباشر وغير المباشر الذي كانت تقدمه للأفراد ووقف التشغيل في القطاع العام، وزادت الضرائب والتكاليف المالية وغيرها من الإجراءات، وهو ما كان له وقع غاضب لدى الكثير من الشعوب العربية.  

هنا نود الإشارة إلى ضرورة أن يكون ترشيد الإنفاق أمرا موضوعيا، مخططا، مستمرا، وحقيقيا في السياسات المالية التي تنفذها الحكومة. الغريب في الأمر أن تعميمات إعداد الميزانية ولسنوات طويلة تنص على ترشيد الإنفاق كأساس في الإعداد ولكن لم نسمع عن ترشيد حقيقي فاعل ومؤثر إلا بعد أن وقع الفأس بالرأس وفجعنا بالانخفاض الحاد في أسعار النفط “المورد الناضب”.