العدد 2798
الأحد 12 يونيو 2016
banner
قراءة في حديث العاهل المفدى: نهجنا الوسطي ودورنا الإنساني وإرثنا الحضاري
الأحد 12 يونيو 2016

الذين تابعوا حديث صاحب الجلالة العاهل المفدى لدى استقباله كبار المسؤولين ورؤساء البعثات الدبلوماسية ضمن سلسلة اللقاءات الرمضانية التي أصبحت نهجًا ملكيًّا راسخًا وعرفًا بحرينيًّا ثابتًاً.. بالتأكيد لاحظوا التركيز الملكي الحميم على قضية الأمن والسلام والمحبة في الوطن.. حيث كرّرها جلالته بما يكشف عما يمور في قلبه الكبير نحو أبناء شعبه ونحو وطنه الحبيب البحرين التي يحب ونحب.. البحرين التي يعشق ونعشق.. البحرين التي يراها جلالته في جباه أبنائه أفراد وضباط الحرس الملكي المعفرة بغبار ساحات الشرف والبطولة.. ويراها في ابتهاج وسعادة أبنائه الشباب البحرينيين وهم يحققون البطولات في مختلف ساحات البطولة والتنافس المشرف.. ويراها في كل شأن بحريني وكل إنجاز وطني وكل لمحة سعادة أو نظرة تفاؤل ترتسم على وجه طالب من المحرق أو تلميذة من المنامة.. 
وتركيز جلالة العاهل المفدى على الأمن والسلام في البحرين حتى وهو يتحدّث مع رؤساء البعثات الدبلوماسية، وتأكيده على روح التآخي والتعاون البحرينية التي قد تظهر أكثر في رمضان، وقد تبدو أجمل وأبهى في رمضان إلا أنها دائمًا هي الذخيرة التي تجمعنا جميعًا وعليها نلتقي وبها نستشعر الملامح الانسانية الأكثر تميزًا لهويتنا البحرينية الوطنية..
وأذكر في هذا السياق أنني كنت أتحدّث هاتفيًّا في العام 2011 مع أحد الدبلوماسيين الخليجيين الذين سبق لهم العمل في البحرين.. فقال لي إنه على الرغم من شوقه الكبير للبحرين إلا أنه كان مترددًا في زيارتها إبان الأزمة.. لأنه لم يكن يحب أن تتغير صورة البحرين في قلبه، وقد رسمها أثناء إقامته فيها وطنًا مرادفًا للسلام والطيبة والمحبة.. ووطنًا للتآخي والتكافل والتعدد الثقافي والفكري .. ووطنًا لحضارة المحبة التي تتنافى كليًّا مع العنف والدماء والتخريب والكراهية..
وأذكر أنني قلت له يومها: إن البحرين التي رسمها في خاطره ووجدانه هي نفسها البحرين التي أتحدث منها الآن.. فكل ثوابتها لم تتغير.. وإن هذا النوع من التجارب القاسية سبق أن شهدته البحرين مرات عديدة عبر تاريخها الطويل، ولكنها كانت دائمًا تحافظ على ذات الهوية الحضارية التي أحبها وعشقها ورسمها لها في وجدانه..
وعندما يركز جلالة العاهل في حديثين متتاليين لكبار المسؤولين ولرؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدة في المملكة على الهوية الحضارية الآمنة  والمسالمة للبحرين، وأن هذه الهوية هي أحد عوامل ثبات البحرين وقوتها.. وأنها البلد الحاسم وهو أجمل ما يكون نعومة ورقة.. والوطن الصلب وهو أكثر ما يكون محبة وتسامحًا.. وأنها المجتمع المتكافل وهو يختبر أقسى الأزمات وأشدها..!
فالبحرين أثبتت أنها قوية وعصية على الاختراق والاختلاف بفضل تكاتف أبنائها كافة.. وأثبتت أنها تحمل بذور نمائها في عقول وسواعد أبنائها وكفاءاتها البحرينية التي تجعلنا على ثقة واطمئنان بمستقبل البلاد وتقدمها.. وأثبتت أنها ستبقى بمشيئة الله دائمًا بلد الخير والتعاون والتآخي بين الجميع، متمسكة بنهجها الوسطي ودورها الإنساني وإرثها الحضاري، ومنفتحة على العالم كله بقلب كبير لا يحمل للعالم إلا الخير ولا يحمل للمنطقة إلا السلام والأمان والمحبة والتسامح..!
وبالتأكيد فإن المقارنات الإنسانية والوجدانية كلها ومهما كانت متشددة أو حتى متجافية عن الحق، فلا يسعها إلا أن ترى هذا الفارق الكبير بين قائد يرى أعظم إنجازاته في أمن بلاده وسلامها ورسالتها الحضارية القائمة على الإنسانية والمحبة والسلام.. وبين قائد لا تعني له دماء أبناء شعبه أكثر من كونها أداة لتثبيت كرسيه.. أو وسيلة لتحقيق انتصارات مزعومة..!
إن الدول والشعوب قد تختبر أوقات قاسية وصعبة، وقد تختبر فترات من الزمن تسود فيها المشكلات على الساحة.. وقد تعيش أيامًا وشهورًا بل سنوات من الخسائر والنكبات.. ولكن قوتها تكمن في تمسكها بهذه الثوابت الأساسية الأربعة: وحدتها الوطنية، ونهجها الوسطي، ودورها الإنساني، وإرثها الحضاري.. وما بقيت هذه الأركان الأربعة سالمة من الأذى والسوء، فإن الأمور سرعان ما تنصاع لرغبة الشعب المتمسك بهذه الثوابت الاربعة الرئيسية.. المحافظة على وحدته وعدالته وإنسانيته وثقافته..
وها هي البحرين رغم ما قاسته خلال السنوات الخمس الماضية، ورغم ما طرأ مؤخرًا على أسعار النفط، وتراجع الإيرادات، وزيادة الأعباء المعيشية والاقتصادية.. ها هي لم تغادر ولو شيئًا يسيرًا من إنسانيتها.. ولم تتخل ولو عن شيء بسيط من عدالتها الاجتماعية أو وحدتها الوطنية.. وبقيت متمسكة بكل موروثها الحضاري وثقافتها التعددية والمنفتحة على الثقافات والديانات الأخرى ..! ها هي تؤكد يومًا بعد يوم على أنه في نهاية النفق ثمة دائمًا ضوء يرشد السائرين للخروج من عنق الزجاجة مهما كانت ضيقة وحرجة..
وقد خرجنا بحمد الله وبفضل شجاعة مليكنا وحكمته وتماسك قيادتنا ووحدة شعبنا من عنق زجاجة الأزمة السياسية والأمنية بسلامة وقوة وعلى خير.. وسوف نخرج من عنق زجاجة الأزمة الاقتصادية أيضًا على خير.. ولن تكون الأزمات إلا عوامل ثبات لنا، وعوامل تماسك واتحاد بيننا وبين قيادتنا، وعوامل ثقة متجذرة بيننا وتوافق مكرس لخيرنا جميعًا وصالحنا جميعًا، وخير منطقتنا وأمتنا والإنسانية جمعاء.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية