العدد 2735
الأحد 10 أبريل 2016
banner
عن الوزير و”السيداو”... والنواب... والوطن
الأحد 10 أبريل 2016

تمنيت وأنا أتابع المقابلة التلفزيونية التي تحدث فيها معالي الشيخ خالد بن علي آل خليفة وزير العدل والشؤون الإسلامية لتلفزيون البحرين عن اتفاقية (سيداو).. تمنيت لو أن هذه المقابلة جاءت مبكرة عن هذا الوقت المتأخر جداً..! ويبدو لي والعلم عند الله، أن هناك قرارًا سريًا يقضي بأن تكون الدولة والحكومة آخر من يحضر وآخر من يتكلم..
كان حديث الوزير على عادته جميلاً، وقويًا، وبليغًا، ومحشوًا بأدب رفيع وثقافة مرموقة.. ولكنه جاء متأخرًا..! وكانت شروحات وتوضيحات معالي الأخ والصديق العزيز الشيخ خالد بن علي آل خليفة، كانت جامعة مانعة - كما يقول الفقهاء - ولكنها جاءت بعد خراب البصرة - كما تقول العامة! فأحببت بهذه المناسبة أن أهمس في أذن الصديق العزيز أن جانبًا كبيرًا من مشكلاتنا يكمن في تلك المساحة المشؤومة بين ما يقوله الفقهاء.. وما يقوله العامة.. وبين ما يقوله خاصة المسؤولين.. وما يقوله عامة المواطنين..!
ومعالي الوزير تحدث كمثقف مسلم مسؤول عما يقول أمام الله وأمام ضميره وأمام الأمة.. وكان محيطاً بكافة جوانب الموضوع الذي تحدث عنه، وهو اتفاقية (سيداو) وموقف البحرين منها، ومن التحفظات عليها سابقاً وحالياً وربما مستقبلاً.. وهذا الذي قاله معالي الشيخ كنا بحاجة ماسة إليه قبل نحو أسبوعين أو ثلاثة.. بل منذ اللحظة التي وصل فيها المرسوم الملكي إلى السلطة التشريعية للتصديق عليه وإقراره..!
ولكن البروقراطية البحرينية ما تزال - وللأسف الشديد - تنام مع أهل الكهف، وتحلم أنها ما تزال في موقع إقرار ما تشاء في أي وقت تشاء وبالطريقة التي تشاء..! وهي بالتأكيد لم تدرك بعد أن الزمان تغير، وأن الأمور تبدلت، وأن العالم تغير.. بل أن البحرين نفسها تغيرت وتطورت، وأننا الآن في العام 2016 بعد الميلاد، وليس قبله..!
احترامي لمعالي الوزير وافر جدًا، وتقديري لثقافته وقدراته وكفاءته عال جدًا وهو باعتقادي يستحق أكثر.. علاوة على حصافته ونبل أخلاقه ورفعة سجاياه.. ولقد كنت أشاهده واستمع إلى أطروحاته العالية بمتعة وشغف وتقدير كبير للرجل ولما يقول..!
ولكن عتبي الكبير هو على الأجهزة المعنية بعملية التواصل مع الرأي العام.. سواء في وزارة العدل والشؤون الإسلامية أو في الحكومة ككل أو في وزارة شؤون الإعلام أو في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والمجلس الأعلى للمرأة.. فهذه الجهات جميعا، كان يفترض بها أن تواكب المرسوم الملكي السامي، بحملة توعوية وتثقيفية، تشرح للناس - وللنواب خاصة قبل العامة - ما هي اتفاقية (سيداو) ولماذا نحن معنيون بتخفيف تحفظاتنا عليها..؟ ومن هي الدول العربية التي سبقتنا في تخفيض نسبة التحفظات..؟ ومن هي الدول العربية التي نشترك معها بنفس المواقف، وقامت قبل فترة بنفس المراجعات..؟ ولماذا نقوم بذلك..؟ وما هي المعطيات والمبررات الدولية والإنسانية والأممية لهذه المراجعات..؟ وما هو مدى مساسها بالشريعة، إن كان ثمة مساس لها بالشريعة أو الدين أو حتى بالأعراف والأصول العربية والإسلامية..؟
وقد أعجبتني مداخلة معالي الوزير التي أشار فيها إلى أن كل النواب الذين اعترضوا على المرسوم، لم يتحدث أحد منهم عن البنود المعنية نفسها، ومدى توافقها مع الشريعة والدستور.. وما طرأ عليها من تعديلات ومواقف..! ولكن هذا الذي قاله معاليه عن النواب وعن المغردين والكتاب ينطبق أيضا على الحكومة وأجهزتها وإعلامها..! وكما قلنا من قبل، إن المشكلات غالباً تكمن هنا.. في المنطقة الحرجة من سوء الفهم المشترك، الذي نشترك كلنا في التغافل عنه وإهماله وعدم الاكتراث به.. ثم نتفاجأ أن غالبية قضايانا وربما مآسينا تقع في نطاق جاذبيته الخطيرة..!
لقد سبقتنا دول عديدة إلى نفس المراجعة، لهذه البنود المتحفظ عليها من الاتفاقية، ومن هذه الدول الأردن والمغرب ومصر.. وهناك دول رفضت التوقيع على الاتفاقية بكاملها كالولايات المتحدة وسويسرا والسودان وإيران.. وهناك دول وقعتها مع تحفظات كالصين والهند وتركيا والدول العربية.. ومن كل هذه الدول والمواقف ثمة بالتأكيد كم هائل من التجارب والمواقف والمقاربات التي كان يستحسن بالحكومة وبالسادة النواب وبالمعترضين والموافقين سواء بسواء الاطلاع عليها، والاستفادة منها، وتنوير الناس بها وتوعيتهم بخلاصاتها وشرح مواقفهم من الاتفاقية والتحفظات ومن المرسوم السامي نفسه ومخرجاته..!
فالفقرة الثانية من المادة (9) مثلا، من البنود المتحفظ عليها، وهي تنص على منح المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما، تحفظت عليها إضافة للبحرين كل من الأردن والجزائر والكويت والمغرب ومصر والسعودية والإمارات العربية وسوريا.. وسبقتنا مصر والمغرب والأردن إلى مراجعتها ورفع التحفظ عنها.. وهناك دراسات قانونية وشرعية كاملة منشورة حول هذه القضية..!
والفقرة الرابعة من المادة (15) تنص على منح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالتشريع المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكنهم وإقامتهم. وقد تحفظت عليها دول عديدة منها البحرين والكويت والأردن والجزائر والمغرب وتونس وتركيا ودول أوروبية شرقية..! وهي ما تزال محل بحث ودراسة وتمحيص على مستوى المشرعين والقانونيين وفقهاء الدساتير.. وبالتالي فينبغي على الحكومة توضيح ما سوف تنعكس به الاتفاقية على الأحوال الشخصية في البلاد من هذه الناحية.. ولماذا تحفظنا في السابق..؟ ولماذا لا نتحفظ الآن..؟!
والخلاصة أن ما سمعته من معالي الوزير المحترم، أعجبني وإن كان لم يقنعني تماماً.. وما سمعته وشاهدته من بعض النواب تحت قبة المجلس النيابي أثناء مناقشة المرسوم أزعجني وأتعبني.. إذ خلت الجلسة من حديث واقعي وموضوعي عن بنود الاتفاقية وظروفها ومعطياتها ودلالاتها.. ولعل هذا الأمر هو السبب الرئيس في أن خلافاتنا دائما مليئة بالضجيج الذي يحجب عنا سماع الحقائق..

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية