+A
A-

في ”قصة مريم” نقف أمام السعادة الحقيقية في الحياة وهي حب الأبناء

لو‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬2015،‭ ‬وهو‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬أصدر‭ ‬فيه‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الأمير‭ ‬سلطان‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود‭ ‬لتنمية‭ ‬السمع‭ ‬والنطق‭ ‬عضو‭ ‬الجمعية‭ ‬البحرينية‭ ‬لتنمية‭ ‬الطفولة‭ ‬د‭. ‬فؤاد‭ ‬شهاب‭ ‬كتابه‭ ‬المليء‭ ‬بالمضامين‭ ‬الأبوية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والتربوية‭ ‬وعنوانه‭ "‬حبيبتي‭ ‬ابنتي‭ ‬سميتها‭ ‬مريم‭"‬،‭ ‬سنقف‭ ‬أمام‭ ‬السعادة‭ ‬الحقيقية‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬بحرينية‭ ‬متميزة‭ ‬وأكاديمي‭ ‬ومن‭ ‬النخبة‭ ‬المثقفة‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬حب‭ ‬الأبناء‭ ‬وبناء‭ ‬مستقبلهم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬متين‭ ‬من‭ ‬العلم‭.‬

كتاب‭.. ‬عصارة‭ ‬القلب

أراد‭ ‬ضيفنا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬كقبس‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإنساني‭ ‬والوطني‭ ‬يشع‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الخاصة‭ ‬السمعية؛‭ ‬لأنه‭ ‬كتاب‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬خاصة‭ ‬خضنا‭ ‬غمارها‭ ‬في‭ ‬العائلة‭ ‬الصغيرة‭ ‬وخرجنا‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬دموع‭ ‬من‭ ‬الفرح،‭ ‬نقاسمكم‭ ‬الفرح‭ ‬ونحتفظ‭ ‬لأنفسنا‭ ‬بذكرى‭ ‬الدموع،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬مليء‭ ‬بالحب‭ ‬الذي‭ ‬يهزم‭ ‬الصعاب،‭ ‬وكانت‭ ‬الغاية‭ ‬في‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬قالها‭ ‬الأب‭ ‬فؤاد‭ "‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬من‭ ‬عصارة‭ ‬قلبي‭.. ‬وضعت‭ ‬فيه‭ ‬قلبي‭ ‬أمامكم‭ ‬ورجوت‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬واحدا‭ ‬منكم‭ ‬عرضة‭ ‬لما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬ومعاناة‭".‬

هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يكشف‭ ‬ريادة‭ ‬بحرينية‭ ‬ونجاحا‭ ‬مدهشا،‭ ‬أسس‭ ‬له‭ ‬مركز‭ ‬مشع‭ ‬بالنور‭ ‬هو‭ ‬مركز‭ ‬الأمير‭ ‬سلطان‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود‭ ‬لتنمية‭ ‬السمع‭ ‬والنطق،‭ ‬ليقول‭ ‬لنا‭ ‬كيف‭ ‬هزمت‭ ‬البحرين‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬والأمل،‭ ‬وبطلة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬هي‭ "‬مريم‭"‬،‭ ‬والقضية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كيف‭ ‬تتغلب‭ ‬مريم‭ ‬على‭ ‬مشكلتها‭ ‬وحسب،‭ ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬نتغلب‭ ‬عليها‭ ‬وتندمج‭ ‬في‭ ‬مجتمعها،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬عمرها‭ ‬النامي،‭ ‬ويا‭ ‬للروعة‭ ‬بفضل‭ ‬أصدقاء‭ ‬كثيرين‭ ‬صداقتهم‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬صار‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬حقيقة،‭ ‬وأقول‭ ‬واقعا،‭ ‬وهذا‭ ‬مربط‭ ‬الفرس،‭ ‬تعودنا‭ ‬عليه‭ ‬وصارت‭ ‬المعجزة‭ ‬أمرا‭ ‬معتادا‭ ‬بفضل‭ ‬مركز‭ ‬الأمير‭ ‬سلطان‭ ‬ووعي‭ ‬أسرنا‭ ‬المحبة‭ ‬لأبنائها‭. ‬

حين‭ ‬تنهار‭ ‬الأحلام‭ ‬والتوقعات

تلك‭ ‬المقدمة‭ ‬المفعمة‭ ‬بالمشاعر‭ ‬النبيلة،‭ ‬تتناغم‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬ضيفنا‭ ‬د‭. ‬فؤاد‭ ‬صالح‭ ‬شهاب،‭ ‬الذي‭ ‬يأخذنا‭ ‬إلى‭ ‬جوانب‭ ‬مهمة،‭ ‬فيقول‭ ‬إن‭ ‬امتلاك‭ ‬الحواس‭ ‬بديهة‭ ‬لا‭ ‬تطرح‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬انتظار‭ ‬الوالدين‭ ‬ولادة‭ ‬طفل‭ ‬سليم‭ ‬بكامل‭ ‬حواسه‭ ‬هو‭ ‬الشعور‭ ‬الطبيعي‭ ‬دائما،‭ ‬فالجميع‭ ‬يبني‭ ‬لأبنائه‭ ‬طموحات‭ ‬كبيرة‭ ‬وأحلاما‭ ‬وتوقعات‭ ‬عالية؛‭ ‬لبناء‭ ‬مستقبله‭ ‬الذي‭ ‬يتصوره‭ ‬الأهل‭ ‬دائما‭ ‬بأنه‭ ‬مستقبل‭ ‬باهر‭ ‬ومضيء‭ ‬ومليء‭ ‬بالنجاحات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأحلام‭ ‬والتوقعات‭ ‬تنهار‭ ‬وتتبدد‭ ‬مع‭ ‬ميلاد‭ ‬الطفل‭ ‬واكتشاف‭ ‬الإعاقة‭ ‬عموما‭ ‬أو‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية،‭ ‬فنجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬الحواس‭ ‬وأهميتها‭ ‬للإنسان،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإننا‭ ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬نحيا‭ ‬بالحواس‭ ‬فإننا‭ ‬نجهل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عنها،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تبدأ‭ ‬المشكلة،‭ ‬لدينا‭ ‬طفل‭ ‬يفتقد‭ ‬حاسة‭ ‬من‭ ‬الحواس‭ ‬التي‭ ‬نجهل‭ ‬كوننا‭ ‬والدين‭ ‬عاديين‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عنها،‭ ‬ولم‭ ‬نكن‭ ‬نفكر‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬وجودها،‭ ‬وإنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الجهل‭ ‬بالحواس‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يخلق‭ ‬المشكلة‭ ‬الحقيقية‭ ‬تجاه‭ ‬أي‭ ‬إعاقة‭ ‬في‭ ‬حاسة‭ ‬من‭ ‬الحواس‭ ‬تصيب‭ ‬طفلنا‭.‬

 

فقدان‭ ‬حاسة‭ ‬السمع‭ ‬كالوفاة‭!‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬فالسؤال‭ ‬المحوري‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬الأهل‭ ‬تجاه‭ ‬التشخيص؟‭ ‬فلو‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬صدمة‭ ‬التشخيص‭ ‬وأهمية‭ ‬تجاوزها،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬أسرة‭ ‬الطفل‭ ‬أو‭ ‬بتعبير‭ ‬أدق‭ ‬والدي‭ ‬الطفل‭ ‬بشر‭ ‬كغيرهم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنهما‭ ‬سوف‭ ‬يتأثران‭ ‬بسماع‭ ‬نتيجة‭ ‬التشخيص‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬النتيجة‭ ‬سلبية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬درجة‭ ‬التأثر‭ ‬تختلف‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬وتبقى‭ ‬الحقيقة‭ ‬الكبرى،‭ ‬وهي‭ ‬أنه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬اختلاف‭ ‬درجة‭ ‬التأثر‭ ‬بين‭ ‬الأسر‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الكل‭ ‬يصاب‭ ‬بصدمة،‭ ‬وهذه‭ ‬الصدمة‭ ‬هي‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬نتيجة‭ ‬طبيعية‭ ‬للتشخيص‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬أن‭ ‬حلمهم‭ ‬الذي‭ ‬بنوه‭ ‬طوال‭ ‬شهور‭ ‬عديدة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سنوات‭ ‬قد‭ ‬مات،‭ ‬وقد‭ ‬ذهب‭ ‬أحد‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬سماع‭ ‬الأهل‭ ‬نبأ‭ ‬فقدان‭ ‬ابنهم‭ ‬أو‭ ‬ابنتهم‭ ‬حاسة‭ ‬السمع‭ ‬بمنزلة‭ ‬سماعهم‭ ‬نبأ‭ ‬وفاته؛‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬يعني‭ ‬موت‭ ‬كل‭ ‬الأحلام‭ ‬التي‭ ‬بنوها،‭ ‬ونهاية‭ ‬لحلم‭ ‬عن‭ ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬انتظروه،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬إلى‭ ‬الوجود،‭ ‬وهذه‭ ‬الحسرة‭ ‬وهذه‭ ‬المرارة‭ ‬تعيشها‭ ‬تقريبا‭ ‬كل‭ ‬أسرة‭ ‬ولد‭ ‬لها‭ ‬طفل‭ ‬معوق‭ ‬سمعيا‭.‬

الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الأسر‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬التأثر‭ ‬بهذا‭ ‬الخبر‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬تجاوز‭ ‬الصدمة،‭ ‬وهذه‭ ‬الصدمة‭ ‬وهذه‭ ‬المرارة‭ ‬تحدث‭ ‬أيضا؛‭ ‬لأنها‭ ‬تتطلب‭ ‬تغييرا‭ ‬شاملا‭ ‬وجذريا‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬طفل‭ ‬كنا‭ ‬نتعامل‭ ‬معه،‭ ‬طوال‭ ‬مدة‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬أمه‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬ولادته‭ ‬لمدة‭ ‬قد‭ ‬تطول‭ ‬وتقصر،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬طفل‭ ‬طبيعي،‭ ‬ثم‭ ‬نفاجأ‭ ‬بأنه‭ ‬طفل‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬رعاية‭ ‬خاصة‭. ‬وبفضل‭ ‬اختراع‭ ‬أجهزة‭ ‬علمية‭ ‬متطورة‭ ‬أصبح‭ ‬الآن‭ ‬بالإمكان‭ ‬تشخيص‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬أشهرهم‭ ‬الأولى،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فالتشخيص‭ ‬المبكر‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يئد‭ ‬الحلم‭ ‬في‭ ‬بدايته‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يلقي‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬مبكرا‭ ‬على‭ ‬الوالدين؛‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬إعاقة‭ ‬طفلهم‭ ‬واتباع‭ ‬أو‭ ‬ابتكار‭ ‬الطريقة‭ ‬المناسبة‭ ‬لذلك،‭ ‬وهذا‭ ‬له‭ ‬فائدة‭ ‬عظيمة‭ ‬وكبيرة‭ ‬للأهل‭ ‬وللطفل‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد؛‭ ‬لأن‭ ‬الاكتشاف‭ ‬المبكر‭ ‬سوف‭ ‬يخفف‭ ‬حدة‭ ‬الصدمة‭ ‬على‭ ‬الأهل؛‭ ‬فإذا‭ ‬عشت‭ ‬حلما‭ ‬لمدة‭ ‬شهرين‭ ‬ثم‭ ‬مات‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬فإن‭ ‬تجاوزك‭ ‬للصدمة‭ ‬يكون‭ ‬أخف‭ ‬وأسرع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬الحلم‭ ‬لسنتين‭ ‬وثلاث‭ ‬ثم‭ ‬تفاجأ‭ ‬بموت‭ ‬الحلم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬قبل‭ ‬اختراع‭ ‬أجهزة‭ ‬قياس‭ ‬السمع‭ ‬المتطورة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الأطباء‭ ‬يطمئنون‭ ‬الآباء‭ ‬أن‭ ‬أطفالهم‭ ‬متأخرون‭ ‬لغويا‭ ‬فقط،‭ ‬وصدقوني‭ ‬وأنا‭ ‬أتكلم‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬أب‭ ‬يريد‭ ‬فعلا‭ ‬أن‭ ‬يسمع‭ ‬هذه‭ ‬الجملة،‭ ‬ويحاول‭ ‬تصديقها‭.‬

أما‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬للاكتشاف‭ ‬المبكر‭ ‬للإعاقة‭ ‬السمعية‭ ‬فإنها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬العلمية‭ ‬التالية،‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬اكتشفت‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬كانت‭ ‬النتائج‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬أكثر‭ ‬إيجابية‭... ‬إن‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬ذكرتها‭ ‬آنفا‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬الواعية‭ ‬بمشكلة‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬غير‭ ‬الواعية‭ ‬بهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬فإنهم‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬سماع‭ ‬نبأ‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية‭ ‬متأخرا؛‭ ‬لأنه‭ ‬كلما‭ ‬تأخر‭ ‬النبأ،‭ ‬كان‭ ‬أفضل‭ ‬لأنه‭ ‬يوفر‭ ‬عليهم‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والمعاناة‭... ‬لماذا‭ ‬ذلك؟‭ ‬لأن‭ ‬ثقافتنا‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬ترديد‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ "‬الصم‭ ‬والبكم‭".‬

 

الإعاقة‭ ‬السمعية‭ ‬والصم‭ ‬والبكم

يتجه‭ ‬شهاب‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬مفهوم‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية‭ ‬والصم‭ ‬والبكم،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الاعتقاد‭ ‬أن‭ ‬الطفل‭ ‬المعوق‭ ‬سمعيا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتكلم‭ ‬ولن‭ ‬يتكلم،‭ ‬وأنه‭ ‬ليست‭ ‬لديه‭ ‬أية‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى‭ ‬للتواصل،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الأهل‭ ‬يعتبرون‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬مجهود‭ ‬يبذل‭ ‬لتعليمه‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬مجهود‭ ‬ضائع،‭ ‬لذا‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬حذرين‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الكلمات؛‭ ‬لأن‭ ‬الكلمات‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تفكيرنا،‭ ‬فكلمة‭ ‬أصم‭ ‬مثلا‭ ‬كانت‭ ‬تطلق‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬أيام‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬أدوات‭ ‬لقياس‭ ‬السمع‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬موجودة‭ ‬الآن،‭ ‬أو‭ ‬معينات‭ ‬سمعية،‭ ‬أو‭ ‬تدريبات‭ ‬مناسبة،‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬المعوقين‭ ‬سمعيا،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فتوجد‭ ‬أجهزة‭ ‬تخطيط‭ ‬سمع‭ ‬متطورة،‭ ‬وهي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬قياس‭ ‬درجة‭ ‬العجز‭ ‬السمعي‭ ‬عند‭ ‬الأطفال‭ ‬وتحديد‭ ‬المعين‭ ‬السمعي‭ ‬والتدريب‭ ‬المناسبين،‭ ‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬تسمية‭ ‬كل‭ ‬ضعاف‭ ‬السمع‭ ‬بالتسمية‭ ‬نفسها‭ ‬مفهوم‭ ‬خاطئ‭ ‬تترتب‭ ‬عليه‭ ‬نتائج‭ ‬سلبية‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬الطفل‭ ‬وأهله‭. ‬

 

حجم‭ ‬المشكلة‭... ‬حجم‭ ‬المسؤوليات

هذا‭ ‬الجانب‭ ‬مهم‭ ‬للغاية،‭ ‬وهو‭ ‬دور‭ ‬الوالدين‭ ‬في‭ ‬دمج‭ ‬المعوق‭ ‬سمعيا،‭ ‬اجتماعيا‭ ‬وتربويا،‭ ‬ويبدأ‭ ‬ذلك‭ ‬بالتقبل‭ (‬لمقابلة‭ ‬حاجة‭ ‬الطفل‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬الذات‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬يتراءى‭ ‬لبعض‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬مشكلة‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية‭ ‬هي‭ ‬مواجهة‭ ‬لمشكلة‭ ‬ضخمة‭ ‬جدا،‭ ‬وهذا‭ ‬حقيقي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يصابون‭ ‬بالإحباط‭. ‬لكن‭ ‬لو‭ ‬عرف‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬المشكلة‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بحجم‭ ‬الحل،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬لأعظم‭ ‬المشكلات‭ ‬أهون‭ ‬الحلول،‭ ‬وحجر‭ ‬الزاوية‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬نوعية‭ ‬الحل،‭ ‬وليست‭ ‬صعوبته‭ ‬أو‭ ‬استحالته،‭ ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬الزمن‭ ‬شيء‭ ‬ضروري‭ ‬لنمو‭ ‬الطفل؛‭ ‬ليصير‭ ‬بالغا‭ ‬ثم‭ ‬شابا‭ ‬ثم‭ ‬كهلا‭ ‬كذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الزمن‭ ‬أيضا‭ ‬ضروري‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية،‭ ‬بل‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬طاقة‭ ‬للإبداع،‭ ‬وعليه‭ ‬فلا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬المشكلة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬المسؤوليات‭ ‬المترتبة‭ ‬عليها،‭ ‬والنتائج‭ ‬الباهرة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحققها‭ ‬لو‭ ‬واجهناها‭ ‬بحل‭ ‬مؤمن‭ ‬بحسم،‭ ‬أن‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬اليومي‭ ‬النابع‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬يخلق‭ ‬المعجزات،‭ ‬ويحول‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة‭ ‬الضخمة‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬الخلاقة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬وسائل‭ ‬جيدة؛‭ ‬للاتصال‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬الابن‭ ‬المعوق‭ ‬أو‭ ‬الابنة‭ ‬المعوقة‭ ‬بالإضافة‭ ‬لما‭ ‬يحققه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تكاتف‭ ‬الأبوين‭ ‬وازدياد‭ ‬ترابطهما‭ ‬لإنجاح‭ ‬مشروع‭ ‬حلمهما‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬العقبات،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقاربهما‭ ‬فكريا‭ ‬وتواصلهما‭ ‬حسيا‭ ‬ومعنويا‭ ‬كلما‭ ‬تحقق‭ ‬لهما‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬الاندماج‭ ‬مع‭ ‬طفلهم‭ ‬ودمجه‭ ‬في‭ ‬حياتهما‭ ‬اجتماعيا‭ ‬ونفسيا‭. ‬

كل‭ ‬صعوبة‭ ‬قابلة‭ ‬للتلاشي

ثم‭ ‬إن‭ ‬الوعي‭ ‬بحاجة‭ ‬الطفل‭ ‬إلى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ (‬الوالدين‭) ‬أو‭ ‬وعي‭ ‬الوالدين‭ ‬بأهميتهما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬طفلهم‭ ‬المعوق‭ ‬سمعيا‭ (‬لمقابلة‭ ‬حاجة‭ ‬الطفل‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭)‬،‭ ‬فيجمع‭ ‬علماء‭ ‬التربية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬سنواته‭ ‬الأولى‭ ‬يعتمد‭ ‬كلية‭ ‬على‭ ‬أسرته‭ ‬في‭ ‬إطعامه‭ ‬وتعليمه‭ ‬وحمايته‭ ‬وتنشئته؛‭ ‬ليكون‭ ‬صحيح‭ ‬الجسم‭ ‬والنفس‭ ‬والعقل،‭ ‬وتزداد‭ ‬أهمية‭ ‬ذلك‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الطفل‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬إعاقة‭ ‬حسية،‭ ‬والذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعلمه‭ ‬الأهل‭ ‬أن‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية‭ ‬‭"‬إعاقة‭ ‬فيزيائية‭" ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تحفزنا‭ ‬إلى‭ ‬التغلب‭ ‬عليها،‭ ‬والإنسان‭ ‬أثبت‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬مستحيل‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬صعوبة‭ ‬قابلة‭ ‬للتلاشي‭ ‬والحل،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إعاقة‭ ‬الطفل‭ ‬والأهل‭. ‬

إن‭ ‬الأهل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬هم‭ ‬المعوقون‭ ‬في‭ ‬وعيهم‭ ‬والمهدرون‭ ‬لسعادة‭ ‬حب‭ ‬هذا‭ ‬الطفل‭ ‬وتعليمه‭ ‬الكلام‭ ‬والحوار‭ ‬والاتصال‭ ‬بالعالم‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الطفل‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ (‬الأهل‭)‬،‭ ‬إنهم‭ ‬هم‭ ‬عالمه‭ ‬الذي‭ ‬يحبه،‭ ‬والذي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتصل‭ ‬به،‭ ‬والذي‭ ‬بيدهم‭ ‬وبحبهم‭ ‬له‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأمنية‭ ‬له‭ ‬بالتكلم‭ ‬معه‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ ‬حتى‭ ‬يستجيب‭ ‬للكلام‭ ‬بالكلام‭. ‬وتتبخر‭ ‬الإعاقة؛‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬صعوبة‭ ‬تتلاشى‭ ‬بفعل‭ ‬الحب‭ ‬الواعي‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬ممارسة‭ ‬عملية‭ ‬وكلامية‭ ‬مبتسمة‭ ‬تتسع‭ ‬ابتسامتها‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬ينطقها‭ ‬الطفل‭ ‬كرد‭ ‬فعل‭ ‬عشقي؛‭ ‬استجابة‭ ‬لفعل‭ ‬عشق‭ ‬أهله‭ ‬فقط‭.‬

انتشال‭ ‬الطفل‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الصمت

ويتحفنا‭ ‬ضيفنا‭ ‬بروعة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إظهار‭ ‬مشاعر‭ ‬الحب‭ ‬للطفل‭ ‬المعوق‭ ‬سمعيا‭ (‬لمقابلة‭ ‬حاجة‭ ‬الطفل‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭)‬،‭ ‬ويلفت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الباحثين‭ ‬والمختصين‭ ‬في‭ ‬مشكلة‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حب‭ ‬الأهل‭ ‬لابنهم‭ ‬يمثل‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬انتشال‭ ‬الطفل‭ ‬المعوق‭ ‬سمعيا‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الصمت‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬النطق،‭ ‬لأنه‭ ‬بالحب‭ ‬يتحقق‭ ‬فهم‭ ‬مضيء‭ ‬يجنبهم‭ ‬التردد‭ ‬والخطأ،‭ ‬وبجانب‭ ‬تحقيقه‭ ‬للفهم‭ ‬المضيء‭ ‬يجنبنا‭ ‬الإحساس‭ ‬بالحسرة‭ ‬لما‭ ‬يتصوره‭ ‬غير‭ ‬المحبين‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬أو‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬المحبوب‭ (‬وهو‭ ‬الابن‭ ‬المعوق‭ ‬أو‭ ‬الابنة‭ ‬المعوقة‭ ‬سمعيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭)‬،‭ ‬فيجب‭ ‬على‭ ‬الوالدين‭ ‬أن‭ ‬يتجاوزا‭ ‬الشعور‭ ‬بالألم‭ ‬والحسرة‭ ‬ويطرحا‭ ‬السؤال‭ ‬الآتي‭: ‬ماذا‭ ‬نفعل‭ ‬لمساعدة‭ ‬المحبوب؟‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬مساعدته‭ ‬لذة‭ ‬ومساعدة‭ ‬للذات،‭ ‬بل‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فاستجابتك‭ ‬تلك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تترجم‭ ‬عند‭ ‬الطفل‭ ‬بأنها‭ ‬مقابلة‭ ‬حبنا‭ ‬بحب‭ ‬أعظم‭ ‬وأكثر‭ ‬لذة،‭ ‬وكأن‭ ‬الطفل‭ ‬المحبوب‭ ‬يردد‭ "‬تراعيني‭ ‬قيراط‭ ‬أراعيك‭ ‬قيراطين‭"‬،‭ "‬شوفني‭ ‬بعين‭ ‬أشوفك‭ ‬بعينين‭"‬‭. ‬إن‭ ‬حبنا‭ ‬للطفل‭ ‬موضع‭ ‬المشكلة‭ ‬يولد‭ ‬لديه‭ ‬حبا‭ ‬كبيرا‭ ‬ويمنحه‭ ‬أيضا‭ ‬الفهم‭ ‬العميق‭ ‬والحلول‭ ‬الذاتية‭ ‬لمشكلته،‭ ‬ويجنبه‭ ‬الحسرة‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬الخلل‭ ‬الثقافي‭ ‬والعاطفي‭ ‬الذي‭ ‬يعقد‭ ‬الأمور،‭ ‬ويجعل‭ ‬المشكلة‭ ‬القابلة‭ ‬للحل‭ ‬الباهر‭ ‬بالحب‭ ‬مشكلتين‭ ‬لا‭ ‬حل‭ ‬لهما‭... ‬هما‭ ‬مشكلة‭ ‬الإعاقة‭ ‬الدائمة،‭ ‬ومشكلة‭ ‬الإعاقة‭ ‬النفسية‭ ‬للإحساس‭ ‬بالنقص‭.‬

انظر‭ ‬إلى‭ ‬شفاهنا

إننا‭ ‬نحب‭ ‬أطفالنا،‭ ‬هذا‭ ‬سلوك‭ ‬تلقائي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬بغير‭ ‬وعي،‭ ‬فنمارس‭ ‬ذلك‭ ‬الحب‭ ‬بضرب‭ ‬أولادنا‭ ‬لغيرتنا‭ ‬على‭ ‬مصلحتهم،‭ ‬أما‭ ‬الحب‭ ‬بوعي‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نمارسه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬فيتركز‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الحب،‭ ‬فهناك‭ ‬كثيرون‭ ‬ممن‭ ‬يحبون،‭ ‬لكنهم‭ ‬يعجزون‭ ‬ولا‭ ‬يريدون‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬حبهم‭ ‬ظانين‭ ‬أن‭ ‬الممارسة‭ ‬كافية،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬بالذات‭ (‬حالة‭ ‬الإعاقة‭ ‬السمعية‭) ‬ينبغي‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة‭ ‬لأنْ‭ ‬نقول‭ ‬لطفلنا‭ ‬المعوق‭ ‬سمعيا‭ ‬إننا‭ ‬نحبه،‭ ‬وأبسط‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة‭ ‬لقول‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬اللغة‭ ‬بأن‭ ‬نردد‭ ‬له‭ ‬يوميا‭ ‬عبارة‭ ‬نحن‭ ‬نحبك‭... ‬ولأننا‭ ‬نحبك‭ ‬نتكلم‭ ‬معك‭... ‬نتكلم‭ ‬معك‭ ‬كثيرا‭... ‬ويجب‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تتكلم‭ ‬معنا؛‭ ‬لأنك‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الكلام‭ ‬مثلنا‭... ‬انظر‭ ‬إلى‭ ‬شفاهنا‭ ‬وحركات‭ ‬فمنا‭ ‬وأسنانا‭. ‬وبهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬دقيقة‭ ‬ومستمرة‭ ‬منذ‭ ‬الأشهر‭ ‬الأولى‭ ‬للطفل،‭ ‬ونصل‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬أكبر‭ ‬مشكلة‭ ‬تمثل‭ ‬الإعاقة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للطفل‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬إعاقة‭... ‬إنها‭ ‬مشكلة‭ ‬إشعار‭ ‬الطفل‭ ‬أنه‭ ‬مشكلة،‭ ‬وأنه‭ ‬مأساة،‭ ‬وأنه‭ ‬عبء‭ ‬على‭ ‬أهله،‭ ‬فيشعر‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬بالحزن،‭ ‬وبعدم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الوجود،‭ ‬ما‭ ‬يؤصل‭ ‬لديه‭ ‬أحاسيس‭ ‬الإعاقة‭ ‬فيصبح‭ ‬فعلا‭ ‬معوقا،‭ ‬ليس‭ ‬سمعيا‭ ‬فقط‭ ‬ولكن‭ ‬نفسيا‭ ‬أيضا،‭ ‬ثم‭ ‬تنتقل‭ ‬إعاقته‭ ‬وعجزه‭ ‬إلى‭ ‬أهله‭ ‬فيتحول‭ ‬فعلا‭ ‬إلى‭ ‬مأساة‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬تحرمهم‭ ‬من‭ ‬السعادة‭ ‬به؛‭ ‬لأنه‭ ‬طفل،‭ ‬وكل‭ ‬طفل‭ ‬يمثل‭ ‬سعادة‭ ‬لأهله،‭ ‬وأهله‭ ‬يمثلون‭ ‬سعادة‭ ‬له‭ ‬قد‭ ‬افتقدها‭ ‬نتيجة‭ ‬إحساسهم‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬الخاطئة‭ ‬الشائعة‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬الإعاقة‭. ‬

 

سعادة‭ ‬انتهاء‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى

ومن‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬أهل‭ ‬المعوقين‭ ‬سمعيا‭ ‬أنهم‭ ‬يتعودون‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬ويقبلونه،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنهم‭ ‬يسعدون‭ ‬بانتهائهم‭ ‬النسبي‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى؛‭ ‬لإنجاب‭ ‬طفل‭ ‬معوق‭ ‬سمعيا،‭ ‬وهم‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يسعدوا‭ ‬بذلك؛‭ ‬لأن‭ ‬التعود‭ ‬هنا‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬خطأين‭ ‬كبيرين،‭ ‬ويؤدي‭ ‬كل‭ ‬خطأ‭ ‬منهما‭ ‬إلى‭ ‬الإضرار‭ ‬بالابن‭ ‬أو‭ ‬الابنة‭ ‬المعوق‭/ ‬المعوقة‭ ‬سمعيا،‭ ‬فالحزن‭ ‬والأسى‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬الطفل،‭ ‬أما‭ ‬سعادتهم‭ ‬بانتهائهم‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى‭ ‬وقبولهم‭ ‬للوضع‭ ‬فإنه‭ ‬سجن‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬يئدون‭ ‬فيه‭ ‬طفلهم‭.‬

ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬المنهج‭ ‬الصحيح‭ ‬هو‭ ‬قبول‭ ‬طفلنا‭ ‬الذي‭ ‬ننجبه‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬صورة‭ ‬وصل‭ ‬بها‭ ‬إلينا،‭ ‬ثم‭ ‬نتعامل‭ ‬معه‭ ‬بوصفه‭ ‬كائنا‭ ‬طبيعيا،‭ ‬وكل‭ ‬طفل‭ ‬طبيعي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬تربيته‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬ركزنا‭ ‬مع‭ ‬طفلنا‭ ‬المعوق‭ ‬سمعيا‭ ‬على‭ ‬تعليمه‭ ‬النطق‭ ‬فإنا‭ ‬نركز‭ ‬مع‭ ‬أطفالنا‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬نظن‭ ‬أنهم‭ ‬طبيعيون‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬ما،‭ ‬ولقد‭ ‬رأيت‭ ‬أسرا‭ ‬مفزوعة‭ ‬وتركز‭ ‬تركيزا‭ ‬شديدا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬ابنهم‭ ‬عن‭ "‬مص‭ ‬إصبعه‭" ‬أو‭ "‬التبول‭ ‬اللاإرادي‭" ‬في‭ ‬الليل،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬تتجاوز‭ ‬العاشرة‭. ‬وهكذا‭ ‬فطفلنا‭ ‬المعوق‭ ‬سمعيا‭ ‬طفل‭ ‬طبيعي‭ ‬عموما،‭ ‬وغير‭ ‬طبيعي‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تركيز‭ ‬عليه‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬الأطفال‭ ‬الآخرين‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬سر‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬التخاطبية‭ ‬للأطفال‭ ‬المصابين‭ ‬بإعاقة‭ ‬سمعية‭... ‬إنهم‭ ‬يتطورون‭ ‬ويمرون‭ ‬بالتجارب‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬الأطفال‭ ‬الآخرين،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬أحاديث‭ ‬متصلة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بهم‭... ‬مع‭ ‬رحابة‭ ‬صدر‭ ‬وحب‭ ‬من‭ ‬الوالدين‭... ‬وترديد‭ ‬الكلمات‭ ‬والجمل‭ ‬للطفل‭ ‬حتى‭ ‬يتقنها‭... ‬فإن‭ ‬الطفل‭ ‬المعوق‭ ‬سمعيا‭ ‬سوف‭ ‬يتعلم‭ ‬الكلام‭ ‬بوتيرته‭ ‬الخاصة،‭ ‬وسوف‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬الآخرين‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الكلام‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭. ‬