+A
A-

حسن فضل...

 

الحياة‭ ‬مليئة‭ ‬بالتحديات،‭ ‬ودربها‭ ‬ليس‭ ‬مليئا‭ ‬بالورود‭ ‬دائمًا‭. ‬ومن‭ ‬يستسلم‭ ‬لأقدارها‭ ‬تدهسه‭ ‬عجلاتها‭ ‬وتمضي‭ ‬دون‭ ‬شفقة‭ ‬واكتراث‭. ‬هكذا‭ ‬عشت‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬تحد‭ ‬إلى‭ ‬تحد‭.. ‬فبدأته‭ ‬مع‭ ‬تحدي‭ ‬الكالسيوم،‭ ‬إذ‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬نادر‭ ‬يدعى‭ ‬«هايبوباراثايرويد»‭ ‬يؤدي‭ ‬لنقص‭ ‬الكالسيوم‭ ‬ومجمل‭ ‬أعراض‭ ‬أبرزها‭ ‬التشنجات‭.. ‬كانت‭ ‬الأدوية‭ ‬المعروفة‭ ‬للمرض‭ ‬من‭ ‬أقراص‭ ‬الكالسيوم‭ ‬وحبوب‭ ‬«الون‭ ‬الفا»‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تخفف‭ ‬من‭ ‬وطأته،‭ ‬ولكن‭ ‬وصلت‭ ‬الحالة‭ ‬لدرجة‭ ‬عدم‭ ‬تقبل‭ ‬الجسم‭ ‬للأدوية‭ ‬وأصبح‭ ‬الكالسيوم‭ ‬لا‭ ‬يرتفع‭ ‬إلا‭ ‬عبر‭ ‬الوريد‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬استنفد‭ ‬الأطباء‭ ‬كل‭ ‬خياراتهم‭ ‬أخبروني‭ ‬بأن‭ ‬علاج‭ ‬الكالسيوم‭ ‬عبر‭ ‬الوريد‭ ‬هو‭ ‬العلاج‭ ‬المتاح‭ ‬وقدري‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬معه‭.. ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬أن‭ ‬تدمر‭ ‬كل‭ ‬عنفوان‭ ‬صبري‭ ‬وتنسف‭ ‬كل‭ ‬بقايا‭ ‬الأمل،‭ ‬ولكن‭ ‬القرار‭ ‬حينها‭ ‬بالتحدي‭ ‬والتمرد‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬وألا‭ ‬أسلم‭ ‬ذاتي‭ ‬لأقدار‭ ‬الدنيا‭ ‬متسلحا‭ ‬بالأمل‭ ‬وبالله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬وبعزيمة‭ ‬لا‭ ‬يوقفها‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬قررت‭ ‬خوض‭ ‬التحدي‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬علاج،‭ ‬وأثمر‭ ‬هذا‭ ‬النضال‭ ‬لوصولي‭ ‬للعلاج‭ ‬الشافي‭ ‬الذي‭ ‬أعادني‭ ‬للحياة‭ ‬وهو‭ ‬حقن‭ ‬هرمون‭ ‬الباراثايرويد‭ ‬وكان‭ ‬علاجي‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬د‭. ‬نسرين‭ ‬السيد‭.. ‬وثقت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭ ‬عاشق‭ ‬الكالسيوم‭ ‬وكان‭ ‬رسالتي‭ ‬للعالم‭..‬

كنت‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬مسلسل‭ ‬التحديات‭ ‬قد‭ ‬توقف،‭ ‬فعشت‭ ‬سنوات‭ ‬بزهو‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬مرض‭ ‬متوحش‭ ‬مفتخرًا‭ ‬بذاتي‭ ‬التي‭ ‬هزمت‭ ‬ظروف‭ ‬الحياة‭ ‬وعراقيلها‭ ‬ولم‭ ‬تستسلم،‭ ‬وكنت‭ ‬أخطو‭ ‬بخطواتي‭ ‬الواثقة‭ ‬نحو‭ ‬أحلامي‭ ‬التي‭ ‬أسعى‭ ‬لتحقيها‭.‬

وفي‭ ‬غمرة‭ ‬هذه‭ ‬النشوة‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يمتحنني‭ ‬امتحانا‭ ‬آخر،‭ ‬فقد‭ ‬أصبت‭ ‬بالكورونا‭ ‬ودخلت‭ ‬قسم‭ ‬العناية،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الضرر‭ ‬على‭ ‬الرئة،‭ ‬فأصبت‭ ‬بالتهاب‭ ‬حاد‭ ‬وقل‭ ‬الأوكسجين،‭ ‬وكنت‭ ‬عاجزًا‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ ‬وملقى‭ ‬على‭ ‬السرير‭ ‬والمرض‭ ‬يمارس‭ ‬سطوته‭ ‬في‭ ‬جسدي‭ ‬وينهكه‭ ‬حتى‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬الحقيقي‭ ‬وعلامات‭ ‬الخوف‭ ‬كانت‭ ‬شاخصة‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬الأطباء‭ ‬فقرروا‭ ‬وضع‭ ‬أنبوب‭ ‬في‭ ‬الرقبة‭ ‬للتنفس‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬مرعبًا‭ ‬لي‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أملك‭ ‬خيارات‭ ‬أخرى،‭ ‬فلا‭ ‬مجال‭ ‬للبحث‭ ‬ولا‭ ‬المقاومة‭ ‬فالمرض‭ ‬قيد‭ ‬كل‭ ‬حركتي‭. ‬كان‭ ‬أملي‭ ‬في‭ ‬الله‭ ‬كبيرًا‭ ‬ونفسي‭ ‬المتعبة‭ ‬كانت‭ ‬تصارع‭ ‬اليأس‭ ‬وظروف‭ ‬الكورونا‭ ‬بالتشبث‭ ‬بالحياة‭ ‬والإيجابية‭ ‬والتسليم‭ ‬لله‭ ‬حتى‭ ‬تحسنت‭ ‬صحتي‭ ‬بقدرة‭ ‬الله،‭ ‬ولم‭ ‬أحتج‭ ‬لأنبوب‭ ‬التنفس‭ ‬واستمر‭ ‬التحسن‭ ‬حتى‭ ‬خرجت‭. ‬خرجت‭ ‬بنشوة‭ ‬انتصار‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬فإرادة‭ ‬الحياة‭ ‬انتصرت‭ ‬وألطاف‭ ‬الله‭ ‬احتوتني‭ ‬وغمرتني‭ ‬وذقت‭ ‬حلاوة‭ ‬استجابة‭ ‬الله‭ ‬لدعائي‭.‬

وعدت‭ ‬لحياتي‭ ‬الطبيعية‭ ‬وكنت‭ ‬أشعر‭ ‬بخمول‭ ‬وكثرة‭ ‬الحاجة‭ ‬للتبول،‭ ‬وذهبت‭ ‬للفحص،‭ ‬وكان‭ ‬السكر‭ ‬مرتفعا‭ ‬جدا،‭ ‬كان‭ ‬حدثا‭ ‬صادما‭ ‬ولكن‭ ‬هدأت‭ ‬من‭ ‬نفسي‭ ‬واعتبرته‭ ‬مؤقتًا‭ ‬من‭ ‬أعراض‭ ‬الأدوية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الكورونا‭ ‬ولكنه‭ ‬استمر‭ ‬واحتجت‭ ‬للأنسولين‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬وبعد‭ ‬حمية‭ ‬خفيفة‭ ‬ورياضة‭ ‬تحسن‭ ‬مع‭ ‬الأدوية‭ ‬دون‭ ‬الانسولين‭ ‬ولكن‭ ‬عاد‭ ‬للارتفاع‭ ‬ولم‭ ‬تتم‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه‭.‬

الطبيبة‭ ‬وضعتني‭ ‬أمام‭ ‬تحد‭ ‬مصيري‭ ‬فقالت‭: ‬أمامك‭ ‬أسبوعان،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يتحسن‭ ‬السكر‭ ‬سنضطر‭ ‬لإرجاع‭ ‬الانسولين‭. ‬كانت‭ ‬كلماتها‭ ‬تحديا‭ ‬جديدا‭ ‬لي‭ ‬أعادني‭ ‬لكلام‭ ‬الأطباء‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬علاج‭ ‬لمرضي‭. ‬وهنا‭ ‬قررت‭ ‬قبول‭ ‬التحدي،‭ ‬وبدأت‭ ‬بالقراءة‭ ‬عن‭ ‬الخيارات‭ ‬المتاحة؛‭ ‬فوجدت‭ ‬خيار‭ ‬حمية‭ ‬الكيتو،‭ ‬وبدأت‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬استشارة‭ ‬اختصاصية‭ ‬تغدية‭ ‬مع‭ ‬ممارسة‭ ‬منضبطة‭ ‬للرياضة‭ ‬ونفس‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬إلا‭ ‬النجاح‭ ‬والأمل؛‭ ‬حتى‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬ضبط‭ ‬مستويات‭ ‬السكر،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أبهر‭ ‬الطبيبة‭.‬

تجاوزت‭ ‬الصدمة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مرض‭ ‬السكر‭ ‬في‭ ‬خيالي‭ ‬مرعبًا‭ ‬وسلسلة‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬جالت‭ ‬في‭ ‬خاطري‭ ‬كفقد‭ ‬النظر‭ ‬وبتر‭ ‬الأطراف‭ ‬والفشل‭ ‬الكلوي‭. ‬ولكنني‭ ‬حين‭ ‬واجهته‭ ‬وروضته‭ ‬وجدت‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬هزيمته‭ ‬بالالتزام‭ ‬بالحمية‭ ‬الغذائية‭ ‬والرياضة‭ ‬والأدوية‭.‬

ما‭ ‬زلت‭ ‬أعيش‭ ‬فصول‭ ‬التحدي‭ ‬مع‭ ‬السكر،‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬ماذا‭ ‬ينتظرني‭ ‬معه،‭ ‬هل‭ ‬سأتشافى‭ ‬منه‭ ‬نهائيًا‭ ‬أم‭ ‬سيلازمني‭ ‬للأبد،‭ ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬أعرفه‭ ‬أنني‭ ‬سأوصل‭ ‬النضال‭ ‬كمحارب‭ ‬شرس‭ ‬مستفيدا‭ ‬من‭ ‬تجربتي‭ ‬مع‭ ‬الكالسيوم،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬كتاب‭ ‬آخر‭ ‬يحكي‭ ‬قصة‭ ‬انتصاري‭ ‬على‭ ‬مرض‭ ‬السكري‭.‬