العدد 5681
السبت 04 مايو 2024
banner
نهاية أسطورة
السبت 04 مايو 2024

في أواخر مارس الفائت سخر رئيس المعارضة الفرنسية جون لوك ميلانشون من محاولات تكميم أفواه الأصوات المنددة باستمرار الإبادة الجماعية بذريعة “معاداة السامية” على نحو مقزز مفرط يستخف بعقول الناس، كما هو جارٍ في الدول الديمقراطية الداعمة لإسرائيل، ولا يكاد يتبقى صوت وازن لشخصية محترمة في المجتمع الدولي ليس معادياً للسامية! بدءاً بالبابا، مروراً باليهودي المعمّر ادغار موران، وليس انتهاءً بغوتيريش. 
لكن ما يجري حالياً في جامعات الولايات المتحدة، لهوَ أكثر مدعاة للسخرية والتندر بما لا يُقاس بما سمّاه ميلانشون إفراطاً في استخدام تلك الفزّاعة، هذا بالرغم من وجود مئات الطلبة اليهود بين الطلبة المحتجين المطالبين بوقف الإبادة في غزة، استجابة لنداء ضمائرهم ومشاعرهم الإنسانية، وحيث لا تقوى قلوبهم الشبابية الغضة على اللوذ بالصمت وغمض أعينهم وهم يشاهدون تلك المجازر والتدمير الوحشي لبيوت وعمارات وتسويتها بالأرض في ثوانٍ على رؤوس سكانها من أطفال ونساء وشيوخ منذ أكثر من سبعة شهور. 
وبوسع ميلانشون اليوم أن يضم أسماءً أميركية يمكن تصنيف أصحابها عبثاً معادين للسامية ماداموا يستنكرون الإبادة، ومن بين هذه الأسماء أساتذة كبار في عشرات الجامعات على طول الولايات المتحدة وعرضها، والتي جرت فيها احتجاجات طلابية صادمة لاقتحام أحرام جامعاتهم، وفض اعتصامات طلبتهم التي كانت في منتهى السلمية والتحضر كما تابعها العالم بأسره، وحيث جرى اعتقالهم كأعتى المجرمين على مرأى أساتذتهم، ومن أبرز هؤلاء الأساتذة: البروفيسور جيفري ساكس أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا، نويل مكافي رئيسة قسم الفلسفة في جامعة إيموري والتي لم يشفع لها كل ما تحمله من شهادات علمية عالية مرموقة ولا سنها الوقور ولا محياها السمح من اعتقالها مقيدة الأصفاد على ذلك النحو المهين أمام طلبتها.

أستاذ القانون الدولي بجامعة أوهايو جون غويلي الذي أكد سلمية الاحتجاجات، الأستاذ في جامعة كولورادو وديع إدوارد سعيد (ابن المفكر إدوارد سعيد)، المؤرخ والأستاذ في جامعة كولومبيا رشيد الخالدي.
وبالإضافة إلى أساتذة الجامعات ثمة شخصيات عامة عديدة تتمتع بالعقلانية والاحترام استنكرت العنف الوحشي الذي اُستخدم ضد الطلبة بذريعة عدم انضباطهم للقانون ومعاداتهم السامية، ومن بينهم على سبيل المثال: المرشحة للرئاسة الأميركية من حزب الخضر جيل ستاين التي تم اعتقالها من حرم جامعة واشنطن، المرشح الأميركي للرئاسة السناتور بيرني ساندرز الذي سخر بشدة من وصف الطلبة المحتجين بمعاداة السامية، ضابطة الاستخبارات الأميركية السابقة ليندي مورن التي صحى ضميرها أخيراً لتستنكر مجازر غزة والطريقة الاستفزازية العنيفة التي جرت بها اعتقال طلبة الجامعات - إناثاً وذكوراً- بإبطاحهم أرضاً توطئةً لاقتيادهم مصفدي الأيدي إلى شاحنات الاعتقال.
والحق فإن كل ذلك الهذيان والهستيريا لا يفسرهما سوى فوبيا الرعب من انهيار خرافة أو أسطورة “معاداة السامية” جراء رفع الطلبة المعتصمين أعلام فلسطين وارتدائهم الكوفيات الفلسطينية والهتاف بالحرية لفلسطين، ووجود مئات اليهود بينهم، وهذه المظاهر إنما ترمز إلى أن هناك شعبا صاحب قضية بلا حرية وله حق تقرير المصير. وإذ يحدث ذلك لأول مرة تاريخياً داخل الولايات المتحدة، فإن هذا ما يفسر ذعرهم الشديد من فقدان السيطرة على عقول وأفئدة ملايين الشباب الأميركيين بعد أن حققت الامبراطورية الإعلامية الأميركية الجبّارة نجاحاً كبيراً في تضليل أجيال متعاقبة بتلك الأسطورة الخرافة المقدسة، ومن ثم الفزع من انتهاء احتكار السردية الديماغوجية لما جرى ويجري على أرض فلسطين منذ 75 عاماً ونيفاً.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .