العدد 5645
الجمعة 29 مارس 2024
banner
المميزات العامة للتحكيم التجاري (2/1)
الجمعة 29 مارس 2024

تتعرض العلاقات والمعاملات التجارية، في بعض الأوقات، للخلافات الطفيفة أو تلك المستعصية جدا؛ ما قد يضر بالتعامل بين الأطراف ويؤثر عليه سلبا لدرجة تؤدي لانقطاع العلاقة وتحولها من علاقة حميمة مفعمة بالود الي علاقة عدائية مليئة بالأحقاد والغبن. ولقد ازدادت وتيرة الخلافات بين الأطراف بسبب تشعب الحياة في كل مناحيها بما في ذلك الأعمال التجارية ودخولها في تفاصيل عميقة وأفكار متبادلة وتطورات متتالية في الأحداث مع التغييرات المستجدة... وكل هذا وغيره، أدي بدوره إلى حدوث الاختلافات والتمايز والانشقاق في التفكير وكيفية التنفيذ وتبعات ما ينجم عن هذا وذاك. ومن كل هذا قد تتوسع هوة الخلافات وهذا أمر طبيعي ومتوقع الحدوث في المعاملات التجارية، وعلى التجار ورجال الأعمال والشركات الاستعداد لأي طارئ عند حدوث الخلافات والعمل علي تجاوزها أو تسويتها بأفضل السبل وأقل الخسائر.
عند حدوث المنازعات في المعاملات التجارية فيما بين الأطراف، وبصفة عامة، فإن النظر والفصل في القضايا وجميع المنازعات يعتبر من صميم اختصاصات المحاكم القضائية في البلد أي “السلطة القضائية أو المحاكم المدنية”، وذلك بصفتها صاحبة الاختصاص الأولي المبدئي في الفصل في المنازعات وتسويتها وفق الإجراءات القانونية السليمة السارية. وهذا الحق يستمد قوته من الأحكام والمبادئ الدستورية التي يتضمنها الدستور، الذي يمنح الحق للذهاب للمحاكم للبحث عن العدالة الناجزة. وعليه وبموجب هذا تتم إحالة كل القضايا والمنازعات للمحاكم القضائية بدرجاتها المختلفة للفصل فيها بين المدعي والمدعي عليه، ويكون الحكم قابلا للتنفيذ بعد استنفاذ كل مراحل التقاضي ونهاية الاستئنافات. 
ولكن، مع مرور الزمن تبين أن اللجوء للمحاكم القضائية والبحث عن العدالة في ردهاتها قد تشوبه بعض أو العديد من المعضلات التي تجعل اللجوء للمحاكم القضائية نقمة وليس نعمة لدرجة قد تصل لنكران العدالة. وذلك، مع الاحترام التام للمحاكم القضائية والسادة القضاة، بسبب العديد من الأسباب التي ظهرت جليا أثناء ممارسة اللجوء للتقاضي أمام المحاكم القضائية. ونتيجة لهذا الوضع المتكرر، ومستجداته، كان لابد من البحث عن بدائل أخرى مناسبة ومقبولة ومعترف بها قانونا لتسوية المنازعات وحفظ الحقوق وفق أسس العدالة التي ينشدها ويتطلع لها الجميع. 
إن بدائل تسوية المنازعات والتي درج الأطراف في اللجوء إليها تشمل التسوية الودية والصلح، التحكيم، التوفيق، الوساطة، أو “الشفاعة”... ولكن باستعراض كل هذه البدائل المتعددة لتسوية المنازعات فإننا نجد أن من أهمها، والتي أثبتت صلاحيتها ونجاحها المنقطع النظير مع مرور الزمن، هو التحكيم التجاري، الذي نجده واقفا شامخا معتزا بنفسه ومقدما لأفضل بدائل تسوية كل المنازعات التجارية بكافة أشكالها وأنواعها وتعقيداتها وتطوراتها... والتحكيم التجاري هنا يشمل التحكيم بشقيه التحكيم الفردي (أد هوك) أو التحكيم المؤسسي (انستتيوشينال).  
ولكن لماذا يتم اللجوء للتحكيم التجاري؟ هذا سؤال مشروع يردده الكثيرون بحثا عن الإجابة المقنعة المريحة للفكر والبال، خصوصا أن الأمر يتعلق بالحقوق والواجبات وما لك وما عليك، وأين تذهب في بحثك عن العدالة، وهل اللجوء للتحكيم يحقق لك ما تصبو إليه ويوفر القدر المطلوب من العدالة.

في الوقت الحاضر ومنذ مدة معتبرة من الزمن، أصبح اللجوء للتحكيم التجاري لتسوية المنازعات من أفضل البدائل القانونية المتوفرة لتسوية المنازعات، وهناك الكثيرون من الأفراد والمؤسسات والدول ممن يلجأون يوميا للتحكيم التجاري بحثا عن العدالة. وهذا يتم عبر التحكيم الفردي أو التحكيم المؤسسي المتوفر عبر العديد من مراكز التحكيم المحلية أو الإقليمية أو الدولية المرموقة. ومع مرور الزمن ومما تم تحقيقه، أصبحت ثقافة اللجوء للتحكيم التجاري عامة ومنتشرة في كل الأوساط ، وهذا أعطى زخما ودافعا قويا لصناعة التحكيم ومن يقف خلفها لبذل كل الجهد المستطاع لتطوير التحكيم ليأخذ موقف الريادة إن لم نقل السيادة في الوصول عبر طريقه لمرافئ العدالة السمحة. وهذا ما يتطلع له الجميع وهو المطلوب وبيت القصيد. 
إن التحكيم التجاري يتم وفق قوانين أو ضوابط خاصة تصدر في كل بلد، بهدف تنظيم وتقنين التحكيم في ذلك البلد، وتعطيه الصفة القانونية الكاملة والإلزامية النافذة، ومن هذا الواقع القانوني فانه يجوز للأشخاص المتنازعين اللجوء للتحكيم التجاري لعرض منازعاتهم وفق الكيفية المشار لها في قانون التحكيم أو نظام مركز التحكيم الذي تم اختياره لمتابعة التحكيم فيه. وننصح من يرغب في اللجوء للتحكيم لتسوية المنازعات التي قد تحدث، إدراج “بند التحكيم” في العقود التي يقوم بإبرامها. شريطة أن يكون هذا البند وافيا وشاملا ومغطيا لكل التفاصيل المتعلقة بالتحكيم والإجراءات المرتبطة به خاصة أن “بند التحكيم” الوارد في معظم العقود غير كافي “بل لا يشفي غليلا”، ما يضع العديد من العراقيل أمام سير التحكيم. ومن الأفضل الحصول على استشارة قانونية تتناول هذا الموضوع بكل التفاصيل القانونية المطلوبة. وكذلك نفس الأمر ينطبق على “مشارطة التحكيم” حيث يتفق الأطراف وبعد حدوث النزاع على إحالة النزاع للتحكيم، ويجب أن يكون اتفاق “مشارطة التحكيم” واضحا وشاملا لكل التفاصيل حتى يبدأ التحكيم ويسير على خطى واضحة وحثيثة. 
هناك مميزات عامة ومميزات خاصة للتحكيم التجاري تميزه عن غيره من وسائل تسوية المنازعات. ومن المميزات العامة وأساسيات التحكيم التجاري التي يرتكز عليها كمرتكز أساسي، نجد ميزة وجود “فترة زمنية محددة” لنظر النزاع وإصدار الحكم النهائي. ومعظم القوانين وأنظمة التحكيم تنص على انتهاء التحكيم خلال فترة زمنية لا تتعدى ستة أشهر من تاريخ بداية نظر النزاع والذي تقوم بتحديده هيئة التحكيم (أو المحكم الفرد)، وبعض الأنظمة تنص على فترة أقل من هذه الفترة. والغرض من كل هذا والذي يتضح جليا، أن تسوية النزاع أمام التحكيم مربوطة “بفترة زمنية محددة” يجب ألا يتم تجاوزها، هذا ما لم يتم الاتفاق لاحقا بين الأطراف المتنازعة على زيادة المدة، وإلا بطل التحكيم بالنقض لفوات المدة القانونية المقررة وعدم الالتزام بهذا المبدأ الأساسي. (ونواصل..)

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية