العدد 1387
الأربعاء 01 أغسطس 2012
banner
ساهر الليل محمود المبارك
محمود المبارك
كلام مفهوم
الأربعاء 01 أغسطس 2012

لا تخلو خارطة الأعمال الفنية الرمضانية في صيغتها السنوية من أعمال تستدعي الإهتمام. فبين الأعمال التاريخية والدينية إلى الدرامية و الإجتماعية حتى برامج الفكاهة الخفيفة، تبرز أعمال تعالج قضايا تمس بعض شؤون المجتمع المعاصرة بوجه من الوجوه.
 في هذا العام برز عمل ساهر الليل بالنسبة للمشاهد الخليجي كعمل ذي أهمية حيث يؤرخ بصورة مقربة ما جرى في الكويت إبان الإحتلال العراقي في مطلع تسعينات القرن الفائت. العمل الذي يحكي قصة أسرة كويتية يداهمها الإحتلال و يشرح ظروفها كمثال لما تعرض له كل الكويتيين في تلك الفترة المظلمة.
 وبالطبع فإن الأعمال التي أرخت لتلك الفترة  تركزت أكثر ما يكون في المسرحيات و البرامج الكوميدية التي ركزت على جانب ساخر من شخصية صدام حسين نفسه و طال بعضها السخرية من العراقيين أنفسهم، و تعرضت بعض المسلسلات لذكر موضوع الأسرى آنذاك ذكراً عرضياً غير مسهب.
 و بغض النظر عن  مستوى النص و الإخراج الذي لست بصدده كوني أولاً غير متابع قريب للمسلسل، و ثانياً كوني غير مختص في مجال النقد، يتركز نقدي له على المستوى الإنطباعي كمشاهد أو مواطن خليجي عادي. فإن أكثر ما راقني في هذا العمل هو توقيته، فهو يأتي ليذكر الخليجيين عموماً و الكويتيين خصوصاً بالجرائم الفظيعة التي اقترفها نظام صدام في حق جيرانه، في فترة نسيها الكثيرون أو تناسوها، حتى تكلم الكثير من الكتبة و المنظرون عن شخصية صدام و اختلاق بعد قومي لا يشرف بحمله، أو الحديث عن بعد طائفي في فزاعته التي انقضى زمانها و قبرت.
 في هذا الزمان الذي نرى طائفيين لا يتحرجون من الإشادة بمناقب المهيب الجرذ الذي تعدى على جيرانه من عرب و عجم، و فتك بشعبه دون تفرقة، فما سلمت من أذاه طائفة ولا قومية من القوميات ولا حزب من الأحزاب. عانى العراقيون في زمانه و ذاقوا الأمرين بين الحروب و الحصارات و المجاعات فيما هو يختبئ في برجه العاجي و رفاهيته الباذخة.
 لا يستحي هؤلاء من الإشادة بذكره و كأن عشرين عاماً كانت كافية لننسى – نحن أطفال ذلك الوقت- صافرات الإنذار و مخاوف أسلحته الكيماوية التي أباد بها الأكراد و أشرطة اللاصق التي ما زالت آثارها على نوافذ بيوتنا جميعاً دون فرق. لم ننس ما حملناه للمدارس من تموينات لساعة الإحتياط، و ما عرض في الأسواق من أقنعة مضادة للغاز. كيف ننسى و إن كان ما مسنا من الخوف لا يقارن بما مس إخواننا في الكويت التي هي عزيزة على قلب كل مواطن في هذا الخليج، و ما مسهم من الكرب و الأسر و القتل و التهجير.
 نعم، نشيد بهذا الجانب من هذا العمل الفني، و نقول يجب أن لا تغيب هذه الذكرى، لأن الأمة التي تنسى بهذه السرعة تاريخها الحديث هي أمة بائسة. و رمضان كريم.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .