كنت قد ذكرت من قبل في مقالات سابقة أن مكاتب المحاماة وأروقة المحاكم في بلادنا العربية والخليجية تعج بالقضايا الأسرية الشائكة والمُعقدة من خلافات بين الأزواج وممارسات ليس لها أي صلة بمشروعية الزواج وأهدافه السامية التي أرستها المشيئة الربانية في أن يكون الإنسان خليفة الله في الأرض، بتعميرها وازدهارها ولا يُمكن ذلك إلا بمؤسسة الزواج التي ينتج عنها البشر ليحققوا عمارة الأرض.
لكن ما يحدث في الكثير من مجتمعاتنا غريب جدا، ليس انحيازا للمرأة لكن الواقع يقول أن عديد من النساء تعاني معاناة يعجز الانسان التعبير عنها بالكلام أو الكتابة، من عدم تحمل الزوج مسؤولياته الأسرية، وفوق ذلك سليط اللسان، وقليل الأدب ويبخل على زوجته بالصرف عليها، ليس هذا فحسب بل يعتمد في حياته الزوجية على معاش زوجته التي تكابد مر المعاناة ومتاعب الحياة في العمل لتوفير احتياجاتها كإنسان وزوجة يفترض على الزوج أن يصرف عليها وليس العكس، وفي الغالب أن الزوجة التي تعمل نجدها دائما قنوعة، إن الأدب الإسلامي وتقاليدنا العربية الاصيلة تمنع الزوج من الاستيلاء على مال زوجته والتصرف فيه.
الكارثة الكبرى عندما ينشر الزوج أسرار حياته الزوجية للمقربين منه، في حالة من الاستهتار والاستهزاء غير طبيعية ويفترض أن لا تحدث هذه المسألة من الزوج خاصة لأنها ليس من طبيعة الرجال البوح باسرارهم الأسرية الخاصة، مهما كانت درجة الخلاف بين الزوجين، وهذا يعتبر في أدبنا الاجتماعي من العيب الذي لا يغتفر أبدا، هذه المفارقات لم تنتهي عند نشر التفاصيل المسيئة، لكن تتعداها إلى تدخل الآخرين في ما يدور مع زوجته من خلافات، سواء كانوا من الأهل أو من الاصحاب والمعارف، ومن الثابت في الحياة أن من الحفاظ الخصوصية عدم افشاء ونشر ما يحدث بين جدران الحياة الزوجية.
ومن المؤكد تماما أن ادخال الآخرين واطلاعهم على المشاكل الخاصة يفاقهم منها ويزيدها اشتعالا وتكون هناك الطامة الكبرى إذا كان لدى الزوجين أطفال في ظل كل هذه المخالفات والاشكالات المدمرة للأسرة ولمستقبل الأطفال الذين يتربون في أجواء لا تخلق منهم بشرا أسوياء بلا العكس تماما يخرجوا للمجتمع منكسرين ومشوهين وفاقدين للسند المعنوي والعاطفي في ظل المشاكل التي تحدث بين الوالدين، ومن هنا فإن من المستحسن أن المجتمع ينصح الزوجة بأن لا تنجب من هكذا زوج سليط اللسان ومعقد نفسيا يمارس التعنيف على زوجته.
شخص لا يملك ذرة من أدب ومن أخلاق لا يصح منذ البداية السماح له بالزواج أصلا، فإذا تزوج فإن الزوجة المسكينة التي خبرته وعرفت مستوى أخلاقه لا تنجب منه حتى لا تتضاعف الكارثة عليها وعلى المجتمع بكامله، إن جمهور العلماء الأجلاء أكدوا بأن الحياة الزوجية مبناها على السكن والرحمة والمودة ومراعاة مشاعر كلٍّ من الطرفين للآخر أكثر من بنائها على طلب الحقوق، وفِقه الحياة والخلق الكريم الذي علمنا إياه رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقتضي أن تتقي الزوجةُ اللهَ تعالى في زوجها وأن تَعْلَمَ أن حُسنَ عشرتها له، وبنفس القدر على الزوج أيضًا أن يراعي ضَعفَ زوجته ومشقة خدمتها ومعاناتها وأن يكون بها رحيما، وأن لا يُحَمِّلَهَا ما لا تطيق، فبهذه المشاعر الصادقة المتبادَلَة يستطيع الزوجان أداءَ واجبهما على الوجه الأكمل.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |