العدد 5999
الثلاثاء 18 مارس 2025
السَّاعة الرمليَّة.. تأمَّلات وتجلَّيات
الأحد 17 سبتمبر 2023

الساعة الرملية تأملات وتجليات عنوان تم اختياره لتجاذب حديث مع ابني، حينما نظرنا لساعة رملية تم وضعها في الساونا، الغرفة الصغيرة المُغلقة التي فيها درجات حرارة معتدلة إلى عالية مع رطوبة ناتجة من ماء يُصْب على حجارة ساخنة، هذا التأمل للساعة الرملية شكل اطياف المقال، وفيه نبذة عن الساعة الرملية واستعمالها ثم تجلّيات طالت عناصر فيها العمر، والصبر، والحرارة، وكيف ننظر لساعتنا الرميلة مع الوطن نذكرها بالتالي:

الساعة الرملية 
هي وَسيلة لقياس الزمن ومعرفة الوقت والتقويم. قيل أن السومريين من أوائل الشعوب التي عرفت حسابِ السنة من خلال الشمس؛ حيث تتبعوا حركة الشمس منذ شروقها في اليوم الأول إلى شروقها في اليوم الذي يليه، وتبعا لذلك قسموا العام إلى اثني عشر شهرا، وبالتالي حسبوا العام 365 جزءا وهو المعروف حاليا بعدد أيام السنة. وبالمثل اعتمد المصريون على القمر لتحديد الزمن، والأمم الاخرى في الصين واليابان والاغريق والهند كانت لهم آلاتهم في حساب الزمن. العرب المسلمون يُنسب اليهم اختراع الساعة الرملية والساعة المائية وكذلك الساعة الرخامية التي كانت تنطق الوقت بصوت مسموع، المؤرخ الفرنسي فولتير له قول؛" أن أول ساعة عُرفت في أوروبا هي الساعة التي أهداها الخليفة العباسي هارون الرشيد إلى شارلمان(ملك الفرنجة) عام 870 م الساعة التي صنعها العرب قبل اكثر من 1200سنة". وهي أشهر الساعات المُبتكرة على يد المسلمين آنذاك.
 
استعمال الساعة الرملية 
كان في القرن الرابع عشر ميلادي بنفس طريقة عمل الساعة المائية، والساعة الرملية هي عبارة عن زجاجين علوي وسفلي وعنق صغير يربط بينهما، يوضع الرمل في الزجاجة العلوية التي ينساب منها الرمل للزجاجة السفلية. هذا الانسياب لحُبيبات الرمل يدرك فيه الناظر فترة الزمن المُعينة أنها مضت.

تجلّيات الساعة الرملية منها؛
العمر

تعاقب الساعة واليوم والشهر والسنة هي ناموس كوني عابر لاجيال البشرية، والمتأمل لنزول الرمل من الجزء العلوي الى السفلي في الساعة الرمليه، تذكرنا ان العمر له عدد سِنِّين مُقدره كالرمل في الجزء العلوي، وهو يتناقص تباعا مثل تحدر حب الرمل الى الاسفل من الساعه، وحين تفرغ الزجاجة العلويه يكون مثل انتهاء العمر باجله المحتوم وهذا مجاز تشبيه. طوبى لمن عمَّر سنينه لانها رواحل، وادرك حاضره ولما بعد أجله لكي لا يبكي بساط عمر طواه. تأمَّلٌ مثل هذا فيه تلمس للحِكَم، وايقاظ روح فطين، وبث فأْل وحسن ظنّ حينما يخْترمَه هاجس يُغمْعِم في كل منعطف من منعطفات الايام حلُوها ومُرَّها واقتراب ساعة انتهاءها. 
الصبر
ظاهرة الترقُب والانتظار لنزول حبيبات الرمل حتى تكون كلّها في الزجاجة السفلية تتطلب الصبر، وادراك ان طبائع الاشياء لها دورتها الزمنية، وان الانسان فيه قوة كامنة في الصبر والتأني، وهذا ما يجري حين نزول الرمل للاسفل. سجية التَّحَلُّمِ والتَّحَمُّلِ هي صبر وهو ثَمَرةُ الحِلمِ وموجِبُه، فعلى قَدرِ حِلمِ الإنسان يكونُ صَبرُه، فالحِلمُ في صِفاتِ الرَّبِّ تعالى أوسَعُ مِنَ الصَّبرِ؛ ولهذا جاءَ اسمُه الحَليمُ في القُرآنِ في غَيرِ مَوضِعٍ، ولسَعَتِه يَقرُنُه سُبحانَه باسمِ العَليمِ، كقَولِه؛ "وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا"، "وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ".

التَّحمُّل
حرارة الساونا لحين امتلاء الزجاجة السفليه بالرمل يلزمه تحمل لا يقواه كل جسم، ولطالما لذعت الحراره الجلد، واكتظ فيها الشهيق بالزفير لفسحه هواء ينشدها. مشهد يُذكر الإنسان لكل حرارة تطوله، او نفسا يخنقه، وأزِيز ريح حار لها دويّ، تلك عبرة تجعله يقول؛ اعاذنا الله من جهنم التي أُعدت للكافرين "إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ". المؤمن في مثل هذا التبصر يتذكر أن له جناحان الرجاء والخوف. رجاء عفو الله لأنه يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ. وخوف فيه اعتبار تذكره النار؛ إن عذابها كان غراما.

ساعتنا الرملية والوطن 
هذا العنوان قد يبعث السؤال هل لساعتنا الرميله صلة بالوطن؟ الجواب نعم في هذا التجلَّي. شهد جيلنا الذي طوى سبعة عقود مراحل زمنية ضمت بواكير نهضة الوطن، وارتسام تحولاته، ونشوة حاضر مفعم بحيوية، جيلنا تمتع بشموخ سردية راءها في ناموس العمر وهو يتناقص مثل زجاجة الساعة الرميلة العلويه يتحدر منها غالب الرمل، تأمل يرقُب نمو وطنه، وتناقص عمره، تتهلَّل ذاكرته اسهام وصنيع تم لوطنه، وبذره لعَقِب ذرية تتناهض لخدمة الوطن، كلُّ ذلك حُبُور، ويتمنى ان يرى الأكثر في مشهد السنين القادمه؛ وطن في سلم العوالي بين الاقطار والامصار مرجع اليه يُشار. تجلّي باذن الله قادم. وهو فأل ذكره ولي العهد السعودي إنه لا يريد أن يفارق الحياة قبل أن يرى الشرق الأوسط متقدماً عالميا، وكذلك قوله؛ أخشى أن يأتي اليوم الذي سأموت فيه دون أن أنجز ما في ذهني لوطني، الحياة قصيرة جدا وهناك الكثير من الأشياء بإمكاننا صنعها للوطن".
نقول هذا ونحن في معانقة بهجة يوم وطني لتوحيد المملكة. وفيه نحب ان نرى دول خليجنا العربي كما نحب لبلدنا، وبالمثل اوطان العرب والمسلمين اماني نهوض، وسلم عيش كريم للبشرية في هذه المعمورة. حبُّ الوطن عندنا مندس في النوايا مغمور باحاسيس، مقلة العين تسكب له دمع إذا زهى وعلا، او ضعُف وابتلى. الوطن هو الهواء والماء، نحيا به ونقاوم في حفظه، ونصبر ونتعاضد في تقوية لحمته، ونبرأ من فعل او سلوك كل من يشبه خبز يلعن عجينه.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية