العدد 5673
الجمعة 26 أبريل 2024
banner
خولة الهاجري
خولة الهاجري
هل السعادة قرار؟
الأربعاء 01 مارس 2023

وأنت في عزلتك المكان الأكثر أماناً وتلقائية بكل ما يحويه من فوضى وجنون تهجس كثيراً بالسبب الذي حَوَلَكَ من كائن نهاري بامتياز إلى آخر لا يجد متعته إلا في انزواءه بين ثنايا الليل ... لا تقلق! أنت لا تنحدر نحو الجنون، هكذا يكون النضج في بدايته، لا تجبر نفسك على التوقف .. سيتولى عقلك كل شي وتعود الأمور إلى نصابها الحقيقي، فما من طريقٍ نحو النضج أقصر من خيباتِ الأمل .. فمن خلالها تصل إلى القناعة التي تجعلك تُدرك بأن خيبة الأمل تلك ما هي إلا أملٌ جديدٌ لسعادةٍ حقيقية.

في العاشرة مساءً وفِي جوٍ شتوي بارد جلستُ على مقعديّ الخشبيّ وفتحت هاتفي كالعادة، فإذا بكومةٍ من الرسائل تتدفق الواحدةً تلو الأخرى، وقبل أن أُباشر في فتحها، إذ بي ألمح رسالة من صديقة تقول " لستُ سعيدة ! فقد خاب أملي مرة أخرى " .
وما إن فتحتها إلا ويتبعها " كمٌ هائلٌ من الليالي أنفقتُها في الأمل وأنا أُحاول أن أرقى سلالم الفرح الواحدةً تلو الأخرى ثم لا أنجح ! هل سأسمح للأمل بأن يركل بي من جديد نحو الهاوية؟
فبعثت لها بعبارةٍ تقول "السعادة قرار .. إن أردتي اتخاذه ستكونين سعيدة" 
قد يتسائل البعض هل تلك المقولة صحيحة؟ هل فعلاً السعادة قرار؟ هل الأمر بتلك البساطة؟ 
فقط كي أعيش سعيداً علي أن أقرر!
هل هي حقاً إختيار؟ هل تصطف الإختيارات أمامنا ونحن نختار كيف سنعيش؟
ويكأن الحياة إختبار فيه الإختيار من متعدد، وعليك فقط أن تختار الإجابة الصحيحة !
ما من إنسان في هذه الحياة إلا ونال حظه من سهام الحزن واكتنفته سحائب الهموم، فما من سعادة دائمة ولا من حزن مستديم وفي كليهما خير للإنسان وإن جهل حكمة الله في ذلك (لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
التعرض للإحباط جزءٌ لا مفر منه في الحياة، ولكن علينا تعلم كيفية التعامل مع هذه المشاعر على نحوٍ أفضل، حتى نتمكن من ترك الأشياء وراءنا، دون أن نعلق في حفرةٍ ما ونفقدُ السعادةَ بعدها.
فالسعادة قرار، ونحن المسؤولين عنه، لأننا الوحيدين القادرين على تغيير حياتنا، ونحن أيضاً من نحدد متطلبات السعادة الخاصة بِنَا، فَلَو أعطيت البعض ورقة وقلم، وطلبت منهم أن يكتبوا كل الأشياء التي تسعدهم لوجدوها عديدة بل وأكثرها قريبة منهم، ولن يجدوا مشقة في تحقيقها، على اعتبار أن السعادة منظومة متكاملة تتدخل فيها عدة عوامل كالتحلي بالصحة البدنية والنفسية وتمام سلامتهما، كالمال، كالعلاقات الاجتماعية المتميزة، والأسرة المتماسكة، والعطاء الخيري، والشعور بالرضا النفسي، وتقدير الأشياء الجميلة التي تحيط بنا وغيرها الكثير، (مع حفظ الترتيب) كلاً حسب ما يسعده.
صحيح أن الأمر لم يعد سهلاً مثلما كان من قبل، و"من قبل” هذه لا أقصد بها سنين بل قرون وزمن سحيق، عندما كانت متطلبات السعادة تُعَدُّ على أصابعِ اليد الواحدة، من توفير مسكن آمن ومأكل ومشرب.
ولأن الرغبة في النمو والتطور فطرة إنسانية، بدأت الأمور في التطور، وبدأت متطلبات السعادة في الزيادة وإن صح القول؛ وقتما بدأت تتحدث لغة المال، أصبح الوصول للسعادة أكثر تعقيداً من قبل، وكأن صعوبة الحصول على السعادة تزداد زيادةً طردية مع مستوى تقدم الأمم.
فالكثير من الناس يحصرون السعادة في المال لكننا نجد أن الذي يملك المال غير سعيد والذي لايملكه أيضاً لا يكون سعيد، فالمال ليس إلا سبباً من أسباب السعادة، فكثيرٌ ممن يملكون المال قد خسروا نِعَماً كثيرة، وكثيرٌ منهم أيضاً ما يزالون يبحثون عن السعادة  !وهذا يطبق المقولة اللي تقول " من كَثُرَ ماله زادَ همه "وهي مقولة حقيقية تثبتها تجارب إنسانية عبر التاريخ المعاصر. 
إن الإنسان السعيد لا يختلف عن الإنسان الحزين إلا في شيء واحد، أنه يقاوم ظروفه ولا يستسلم مهما بلغ به الحزن، إنسان نجح في أن يكون سعيداً، لديه إكتفاء ذاتي من كل ما هو جميل في الحياة، ويعيش حياة داخلية متجددة بالطاقة والغنى والسلام، لأنه يخبأ هزائمه في جيوب الماضي ويستقبل الحياة في كل مرة بقبلة صُلحٍ وعناق.

إضاءة 
في أفقِ الحياةِ آمالٌ وآلام، والمتفائل فيها هو الوحيد الذي سيعيش سعيداً، لأن السعادة تُولد ... ولا تُستورد.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .