العدد 5674
السبت 27 أبريل 2024
banner
صادق أحمد السماهيجي
صادق أحمد السماهيجي
بين السلطة والفساد والإغواء..مسرح الريف يقدم "النهيج" في قالب قروي متميز
الثلاثاء 31 مايو 2022

في عالم المسرح، أبو الفنون، يكون المشهد أوسع من النص، يكون الممثل عبارة عن أداة ونص وحركة ولون وصوت وموسيقى ومشاعر وأحاسيس، وكل شيء، ينقل الصورة الجامدة على الورق إلى حياة، وينقل الفكرة بأكثر من معانيها، موظفاً خياله إلى المتابع.  
 
هذه عيّنة لما شاهدناه على خشبة الصالة الثقافية، لمسرح الريف في مسرحيته "النهيج" التي بدأ عرضها الأحد الماضي 29 مايو 2022، أخذنا مسرح الريف إلى قرية يعيش فيها المختار وتدور الأحداث حول أخوته وأبناء عمومته وزوجته بلقيس وابنه فارس.
 
اعتمدت المسرحية في شكلها، على تقنية تغيير شكل الديكور بما يتطلبه المشهد، وهذا يحسب للعمل بشكل عام، وقد أجاد الممثلون تجسيد أدوارهم على نحو متقن يليق بمستوى المسرح البحريني.
 
ويعد موضوع المسرحية ليس جديداً، واستطاع المؤلف والمخرج محمد الحجيري توظيفه بأسلوب مبتكر بحيث يلامس الواقع بتميز وانفراد، واجتهد بجدارة ليعكس الطابع القروي الذي تدور فيه أحداث المسرحية.  
 
تناولت المسرحية، العديد من المسارات للشخصيات المشاركة، ففيها "المختار" الذي يجسد شخصيته الفنان القدير علي سلمان، حيث لم يأبه لمشاعر ابنه وتزوج بلقيس المتهمة بقتل زوجته، وكل ذلك من أجل بسط النفوذ والطمع والانفراد بالقوة الزائفة التي يراهن عليها المختار.  
 
كما كان دور بلقيس رائعاً وجريئاً على خشبة المسرح، الذي جسدته الفنانة نورة عيد، فهي زوجة المختار، الانتهازية التي تستغل شبابها وأنوثتها في سبيل الوصول لأهدافها، حباً في السلطة والسيطرة، فيما جسد باقتدار دور "فارس" الفنان عقيل الماجد، حيث وظف شخصيته في قالب مركب من الجد والهزل، من الحكمة والجنون، وأبدع في جذب المتلقي في كل حالاته.
 
وأشارت المسرحية أيضاً، إلى رجال الدين، الذين تكون الكلمة الفصل بين أيديهم في أكثر الأحيان، إلا أن البعض منهم لا يكون بمستوى هذه الأمانة، وينجرف نحو الإغراءات.  
 
المسرحية في عمومها جيدة، وقد غلب عليها تمطيط الفكرة في بعض المشاهد بما لا يستدعي الإطالة، واتسمت بطابع التشويق في تمويه الوصول لهدف وخيط الفكرة اللاحقة، إلا أن ذلك في بعض الأحيان أسهم من وجهة نظري، في تشتيت ذهن الجمهور المتابع لاستجماع أفكاره وربطها، وخصوصاً في ما يتعلق بالتعريف بالشخصيات الفرعية وتفاصيلها.  
 
إن مسرحية النهيج، لا تخلو من كونها توصل رسالة كبيرة حول الظلم والفساد، وإسقاط ذلك على وباء كورونا في مقاربة لبيان ما تفعله الدول وما تعمل عليه، ممثلاً في دور مختار القرية، في التأثير على المجتمعات وتوجيهها بالطريقة التي يرسمون ويخططون لها.
 
ولم تخل المسرحية، من نقد لحب السلطة والجاه والاستئثار على حساب الآخرين وسلب حقوقهم، خصوصاً في المحور الرئيس الذي تناولته المسرحية حول اختصام رجلين ومعهم المختار، على قطعة أرض كلٌّ يدعي أحقيته في امتلاكها.  
 
بالطبع، نشيد بمسرح الريف على جهودهم في رفد المشهد الثقافي بمملكة البحرين، ونشد على أيديهم ونوجه لهم التحية لما يقومون به من دور في استثمار الطاقات الشبابية، وأكثر ما لفتني من الشباب، الفنان علي حسن عبدالله الذي مثل دور يوسف ابن جواد، الذي ابتلي بمطالبة الناس لأبيه السكران، مستغلاً فرصة بيع المساعدات على الناس وسط لعبة الوباء، حيث استطاع رغم دوره الثانوي أن يلفت الجمهور بأدائه المتميز، مع بقية الشباب.  
 
أخيراً، لا يصح إلا الصحيح، فأمام دورة هذه الحياة نميز الخير من الشر، والصالح من الطالح، ولم يبق للمختار إلا أن ينهج ويصيح جراء ما فعل من سوء إدارة، وراح يجر ويلاته صرة فوق رأسه، وينحب على ضياع نفسه وعائلته وقريته.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .