+A
A-

محمد جاسم كـ “روسيلليني” لا يحب التقسيمات

مرت 5 سنوات على رحيل المخرج الشاب محمد جاسم شويطر، الذي توفي في العام 2015 تاركا لوحة ثرية من الإبداعات في عالم الفن السابع رغم عمره القصير، فعندما نتكلم عن محمد (رحمه الله) نلصقه دائما وعفويا بالسينما وتطورها الفكري والخلق الفني، والتعبير المكثف من الإبداعات.

خلال عمره الذي لا يتجاوز الـ 35 عاما، قدم محمد وثيقة إنسانية عميقة تحكي قصة من قصص الكفاح في حلم صناعة السينما مع مجموعة من الشباب، إذ كان مرجعا لحرفية المونتاج وقواعده، وتسجيلات ما بعد التصوير والمؤثرات الصوتية، فقد كان ماهرا في أدق التفاصيل المتعلقة بصناعة الفيلم السينمائي، وفتح الاستوديو الخاص بمنزله “لنا جميعا” كمهتمين ومحبين للسينما خصوصا الأفلام القصيرة.

وكانت الأفلام القصيرة “الانيميشين” التي قدمها بمثابة خطوة متقدمة عموما في هذا الميدان على مستوى عالمنا العربي، ما جعل فيلمه “سلاح الأجيال” يفوز بالجائزة الثانية في مهرجان الخليج السينمائي الرابع، ونال الفيلم ذاته جائزة أفضل مؤثرات بصرية في مهرجان هوليود للأفلام العائلية، وكذلك فاز فيلمه “كيف تجعل المرض صديقا”، الذي يتحدث فيه عن طبيعة مرضه وتلقيه العلاج، وغيرها من الإنجازات السينمائية ذات الخصوصية الفنية والأصالة التي غذت السينما الخليجية عموما بمواضيع شتى تعكس جوانب إبداع هذا الشاب وروحه المثابرة الجادة.

لقد استطاع المخرج الشاب على الرغم من قصر رحلته في الحياة أن يطلق قيمة فنية في كل أفلامه القصيرة، ويرسم بكادراته واختيارات أبطاله أجواء رائعة تجذب المشاهد، بحيث ينقل بذكاء ومهارة حركات وهمهمات الشخصيات، في لوحة متكاملة بتكوينها وتلوينها. كان يعرف جغرافية السينما وقوانينها ولغتها ويتبع حسب ما عرفته شخصيا ودون وعي ودراية منه أسلوب المخرج الإيطالي الشهير روسيلليني، في نفوره وابتعاد عن التقسيمات، فروسيلليني كان لا يحب التقسيمات لأنها قد تؤدي إلى نسيان المهم، والهم هو أن نكتشف الناس كما هم عليه في الحقيقة، وهذا اجمل شيء في الوجود، ويرى روسيلليني أن نبدأ في أي عمل نخوضه دون أي فكرة مسبقة، وان نحاول القيام بعملية استخراج لكل ما تحتوي عليه الأمور في باطنها.

المخرج محمد بوعلي ألقى كلمة في يوم تأبينه بنادي البحرين للسينما في شهر يوليو العام 2015، حينما كان نائبا لرئيس مجلس إدارة نادي البحرين للسينما جاء فيها: “من الصعب البحث عن مدخل للحديث عن “بوشيخة”، خصوصا أننا نتكلم عن إنسان كان مشاركا لنا حلم صناعة السينما. وإن كان هناك حالم حقيقي فينا فهو محمد جاسم. عرفت محمد في 2006 في بداية محاولاتي لصناعة الأفلام مع جيل جديد من الشباب الذين التقوا محمد خلال تلك الفترة، وكنت شاهدا لنشاط هذا الجندي المجهول في صناعة الحلم السينمائي، فتراه أمام الكاميرا وخلفها، وكم من الأفلام قام بسردها على جهازه، وكم منها أضاف لها لمسات الخيال بالخدع البصرية التي كان يتميز بها”.

ويتابع بوعلي في كلمته “بوشيخة دائما ما كان المرجع التقني لأغلب من عرفوه من خلال الرجوع له باستفسارات عملية أو حتى حياتية، إن تأثير محمد جاسم على صناع السينما من جيله في البحرين قد يكون ملحوظا للآخرين وذلك لأنه لم يطمح يوما للشهرة أو المال، بل كان يعمل مع الجميع وللجميع دون أي حقد أو حسد”.

وبعد يا صديقي، أنا أكتب عنك اليوم في ذكرى وفاتك الخامسة، أنا ومن معي نعيش هذا الصمت، هذا الفراغ الذي يمتطي في عيوننا، هذا الانقطاع عن رؤيتك الذي يخدر وجودنا الإنساني إلى خلايا صغيرة معزولة.