+A
A-

حب مساعدة الغير يزرع في المواطن منذ الصغر

تعد ثقافة العمل التطوعي من أهم الأعمال الإنسانية التي تبعث روح التآخي والطاقة الإيجابية والمحبة والسلام، وتساهم في نشر روح التسامح بين أفراد المجتمع، إضافة إلى تعزيز الانتماء والمسؤولية الوطنية لدى الفرد في خدمة مجتمعه ووطنه.

ولقد عززت حكومة مملكة البحرين الموقرة هذا النهج الراقي من خلال الشراكة الحقيقة والمميزة بينها وبين مؤسسات المجتمع المدني، حيث سهلت ودعمت العديد من الجمعيات الأهلية الوطنية التي تسهم بمبادرات نوعية وتقدم جهوداً لافتة في مجال العمل التطوعي والخيري، كما تبنت الحكومة منهج الشراكة المجتمعية مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، بما يتوافق مع متطلبات والتحولات والتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، والاستراتيجية الاقتصادية الوطنية تحقيقا لرؤية 2030.

إن الشباب هم وقود العمل التطوعي، الذي بهم يزدهر ويرتقي المجتمع، من خلال دعم الحكومة الدائم لهم وللمشاريع التي يتطوعون لتنفيذها مع مؤسسات المجتمع المدني، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تم في العام 2010 إطلاق مشروع مدينة الشباب 2030 والتي يأتي دورها لتعزيز مشاركة الشباب في برامج التنمية الاجتماعية.

وجاءت الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وتكريس قيم المواطنة التي أطلقها وزير الداخلية الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في مارس 2019، والتي تضمنت مبادرتين تهدفان للتطوع إحداهما تتعلق بإطلاق المنصة الوطنية للتطوع، التي تقوم على جمع الفرص التطوعية المتوافرة في مملكة البحرين بمختلف المجالات، إضافةً إلى إمكان الاطلاع على تفاصيل المشاركة والتسجيل فيها، ذلك بهدف تعزيز الانتماء والمسؤولية الوطنية ونشر روح التسامح، وخلق بيئة مشجعة للعمل التطوعي، فضلاً عن تسهيل ربط فرص التطوع بالمتطوعين.

وجاءت فكرة المنصة ضمن المشاريع الفائزة بمسابقة الابتكار الحكومي “فكرة” في العام 2018، والتي أطلقها ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، إيمانًا من سموه بأهمية التجديد في أساليب تشجيع طاقات الابتكار والإبداع باعتبارها القوى المحركة للتطوير والنمو، وأن نواة التطوير “فكرة” مبدعة.

المنصة الوطنية للتطوع تواكب رؤية 2030

وفيما يتعلق بالمنصة الوطنية للتطوع، قال الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة صاحب فكرة المنصة الوطنية للتطوع إن شعب مملكة البحرين عرف عنه منذ القدم حبه وشغفه للتطوع وتقديم الأعمال الخيرية في شتى المجالات، فحب مساعدة الآخرين دون مقابل تزرع في المواطن منذ الصغر ولا ننسى ان ديننا الإسلامي دين خير وسلام، وكل ما هو خير جزء من عقيدتنا وما تربينا ونشأنا عليه، وقد جاءت فكرة تأسيس هذه المبادرة من منطلق الحاجة لوجود منصة رئيسة تخدم جميع الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة، إضافة إلى تنظيم اكثر لعملية التطوع في مملكة البحرين، وتقرر أن تكون هذه المنصة إلكترونية لتواكب رؤية الحكومة 2030 والتطورات التكنولوجية و الرقمية كونها حلقة الوصل الأسرع والأسهل للوصول إلى المتطوعين.

دعم الأسر المتعففة

ومن المشروعات المتميزة في العمل التطوعي، مشروع جمعية “أيادي” الإغاثية، والتي حملت شعار “بيتنا بيتكم”، وعن هذا المشروع، قالت أمينة الجودر عضو مجلس إدارة الجمعية: إن مشروع “بيتكم بيتنا” هو المشروع الذي يميز الجمعية؛ كونه الوحيد الذي يقدم المساعدة للأسر المتعففة، من خلال إعادة ترميم البيوت القديمة والآيلة للسقوط، إذ تنفذ الجمعية هذا المشروع من خلال متطوعين متميزين.

وأضافت الجودر أن من الشروط الأساسية التي يجب أن تتوافر في المتطوع لتنفيذ المشروع، أن يكون على تواصل دائم مع المستفيدين طوال فترة المشروع، والتي تكون عادةً ما بين4 و5 أسابيع، وهي الفترة المناسبة لتحويل الممارسات إلى عادات، ولقد لاحظنا مدى التغيير الواضح في أطباع المستفيدين خصوصاً الأطفال، حيث يبدأون في تعلم عادات جديدة كترتيب غرفهم، وتنظيف المنزل، والمحافظة على دروسهم، ما أدى إلى زيادة معدلاتهم الدراسية و الذي ساهم في رفع سقف طموحاتهم المهنية والحياتية.

وتابعت: كل هذا العمل والجهد يخلق مشاعر الحماس والإيجابية لدى الفريق المتطوع لرغبتهم في المشاركة في البرامج المستقبلية للجمعية، لرسم البسمة مجدداً على حياة أسر بحرينية أخرى، ففي كل مرة تزيد مشاعر العطاء والمسؤولية المجتمعية لديهم والتي تعتبر من الخصال المميزة لدى الشعب البحريني.

التطوع.. ترك البصمة دون انتظار مقابل

المتطوعون هم شعلة النشاط والحيوية اللازمة لتنفيذ المشروعات التطوعية، وفي هذا الصدد قالت المتطوعة نوف القحطاني: إن العمل التطوعي يعتبر من الممارسات التي تغير مفاهيم وأخلاقيات ومبادئ كثيرة في الإنسان، فعندما يكون الشخص محبا للعطاء والعمل الجماعي والتعاون في مختلف المجالات الحياتية، يمنحه ذلك الشعور بلذة الإنتاج والعطاء والعمل وترك بصمات مميزة، مضيفة أنها بدأت تشعر بحبها للعمل التطوعي بعد مشاركتها في فعاليات عديدة، التي تعزز ثقافة العمل التطوعي لدى المتطوع وتبرز قيمته وأهميته في المجتمع.

وأضافت: من وجهة نظري أرى أن الهدف الرئيس للتطوع هو تحقيق الأثر وترك البصمة دون انتظار المقابل، وينبع ذلك من شغف العطاء، ومع الأيام يصبح العمل التطوعي جزء من شخصية الإنسان، وجزء من حبه لترك الأثر والإنجاز غير المقرون بأي هدف مادي أو مردود، فغالبية الممارسين لمختلف الأعمال التطوعية يستشعرون بكل ذلك وأكثر، لما فيه من تأثير كبير على النحو الشخصي والفكري.

أما المتطوعة نادية عقاب، فأكدت أن السبب الرئيس وراء انخراطها في العمل التطوعي جاء من إحساسها بالمسؤولية تجاه المجتمع الذي تعيش فيه وإيمانها التام بالقدرة على تغيير حياة الأفراد إلى الأفضل ورسم البسمة على وجوههم، فتقديم الخدمات يشعرنا نحن المتطوعون بقيمتنا في هذا المجتمع، ويحقق بالفعل مفهوم الشراكة المطلوبة بين الجهات المنفذة للعمل التطوعي، والحكومة الموقرة، فهذه الشراكة سواء من خلال برامج أو دورات تأهيلية تصب في صالح المتطوع الذي يرتقي من خلالها بالعمل التطوعي وتتعزز لديه الثقة والثقافة بأهمية التطوع.

وأوضح محمد الخياط المشرف على مشروع “بيتكم بيتنا”، أن دخوله في مجال التطوع الإنساني جاء بسبب إيمانه الدائم بأن العطاء هو أسلوب حياة وليس فقط أمرا يقوم به في وقت الفراغ، ومثل هذه المشروعات تعزز من ثقافة خدمة المحتاجين دون انتظار مقابل، وتنعكس إيجاباً على شخصية المتطوع نفسه من حيث إحساسه بالمسؤولية وشغفه في حب تقديم الخدمات لمجتمعه ووطنه.

من جهته، بين المتطوع محمد الصفي أن المشاركة في الأعمال التطوعية تعد قيمة إنسانية مهمة، ومع الوقت اكتشفت أن التطوع له أشكال عدة كالتطوع بالموهبة، والوقت والمهارات الاجتماعية، والمتطوع هو الوجه المشرق لأي عمل تطوعي، أساسه نابع من حب العمل الخيري وخدمة المجتمع والوطن.

نماذج أصيلة

تلك كانت نماذج  بسيطة من متطوعين ومسؤولين عن مشروعات تطوعية وعمل تطوعي، إذ طالما تؤكد المملكة دائماً دعمها الكبير في تعزيز هذه الصور المشرفة لأي مجتمع متحضر، وتقدم لها التسهيلات وتشجعها على تنفيذ الأعمال التطوعية التي تعود بالنفع العام على المجتمع، فبرزت تلك النماذج الأصيلة، وهناك العديد منها في البحرين التي تعمل على ترسيخ وتعزيز ثقافة العمل التطوعي النابعة من عمق وأصالة الثقافة العربية الضاربة في الجذور منذ القدم، حيث توارثتها الأجيال البحرينية واحدة تلو الأخرى.