+A
A-

جورج سيدهم.. فارس من فرسان المسرح العربي

حينما حصل الفنان سمير غانم على جائزة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة طلب الناقد كمال الشناوي من الفنان جورج سيدهم كلمة بهذه المناسبة، ليدونها في كتابه “سمير غانم إكسير السعادة” فقال جورج:

(حبيبي سمير تكريمك هو تكريم لمشوارنا اللي عشناه معا، عندما تقول الناس جورج يقولون في نفس اللحظة سمير، وعندما يمنح سمير جائزة سيدة الشاشة فاتن حمامة التقديرية فهم يطوقون عنقي بالجائزة التي يمنحوها في نفس الوقت لرفيق زمن الكفاح ثالثنا الراحل الضيف أحمد. أسعدت الملايين فأحبك الملايين. حبيبي سمير ألف مليون مبروك)

وعندما قال الشناوي لسمير غانم كيف تعرفت على جورج سيدهم أجاب:

(سافرنا سوريا “شباب الجامعات”، وأنا كنت أقود فريق المنوعات في الإسكندرية، وجورج كان يقود فريق المنوعات في عين شمس، المهم سافرنا مهرجان أسبوع الشباب في سوريا والتقيته هناك وسمعت عنه وقتها كان غاوي يقول مونولوجات

في الكلية وحقق شهرة واسعة في هذا المجال، وهو يدخل القلب مباشرة “أخف دم تخين تشوفه”، إنما عندما يغضب منك تري علي الفور الوجه الاشر فهو لا يضيع حقه أبدا، المهم اشتغلنا في إجازة الصيف في إسكندرية، ومعي جورج وعادل نصيف، وقتها عملنا في كازينو “سبورتنج”).

ذلك الفنان الراحل جورج سيدهم، فارس من فرسان المسرح العربي الذي قدم أعمالا مسرحية وسينمائية ما زالت عالقة في أذهان المشاهد العربي، لعل أشهرها مسرحيتي “المتزوجون” و “أهلا يا دكتور” مع رفيق دربه سمير غانم. ما تميز به الفنان الراحل هو قيادة التمثيل وتبسيط الصعب وإيضاح ما يمكن أن يتصف بالتعقيد، فجورج سيدهم يستطيع أن يخاطب الجهور بالعرض وأن يجتذبه بشكل لافت، ودائما يرى في الجمهور المسرحي على أنه أشبه بدرجة الغليان او الفوران، تنشأ عن ارتفاع الحرارة على خشبة المسرح، فتنتقل عدوى هذه الحرارة من قلب الممثل الى قلب المتفرج، ثم من متفرج الى اخر، وهكذا تسرى هذه العدوى في سرعة التيار الكهربائي وكأن كلا منهم يحس بأنه لا يرغب في أن يكون وحيدا شاذا فيندمج لا شعوريا مع المجموع.

مسرح جورج سيدهم كما أحب أن أطلق عليه شخصيا، يميل إلى الفكاهة، ولكن يتضح لنا أيضا أن روح التفاؤل تسود عليه برغم ما يبدو فيه من اضطراب الاحداث وحتميتها، فجميعها تصب وتتجه صوب الهدف الذي يجب أن تنتهي إليه، فتفاؤل جورج ليس موضوع جدال. مسرحية “المتزوجون” مثلا كانت مليئة بصور الخطيئة أو الحماقة في التصرف، الا أن القدرة أو الإرادة الإلهية يمكنها أن تستخدم هذا الشر ليصبح خيرا، وقلة من الجماهير العربية انتبهت الى “رسالة” مسرحية “المتزوجون” وللأسف لم ينل جورج سيدهم حقه من العرفان لفنه وعظمته وعبقريته، وقد يكون ذلك راجعا إلى أن المسرح المصري في تلك الفترة كان يحاول أن يستمد جذور البقاء من أسماء الكبار من أمثال اسطورة المسرح العربي يوسف وهبي، وزكي طليمات، وسعد اردش، وكرم مطاوع وغيرهم.

جورج سيدهم وبالرغم من رصيده القليل في الاعمال الفنية مقارنة مع عمره، إلا أنه كان يختار العمل الأكثر قيمة وأصالة ولو استمر في السينما أيضا كما فعل سمير غانم لحقق الشيء الكثير من النجاح، وهنا تنطبق على جورج سيدهم مقولة “أنطون أرتو” وهي “الممثل الحقيقي هو الذي يمتلك القدرة على التعمق، ولا يكتفي بالوقوف بعيدا عن المعارك”، فجورج سيدهم كان فنانا صادقا مع نفسه ومتعمقا للموضوع الذي يعالجه مدركا أن الفن يخاطب اللحظة الراهنة إلى المستقبل وإلى آفاق أوسع وأبعد من الحاجز.