+A
A-

البحرين تواكب التطورات ضمن أكثر التكتلات العالمية قوة

جاء انضمام البحرين لمعاهدة الصداقة والتعاون لرابطة “الآسيان” مطلع الشهر الجاري ليعبر عن عدة حقائق، فإضافة للأهمية النابعة من إقامة قنوات اتصال مفتوح وتواصل دائم مع الدول والمنظمات الدولية كافة، وهو نهج ثابت ترتكز عليه سياسة المملكة الخارجية بتوجيهات من لدن عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، فإنه برهن على أن لمملكة البحرين مكانتها وسط قوى المجتمع العالمي، وأنه يتعين عليها مواكبة التغيرات في محيطها والاستجابة للتحديات والفرص التي يفرضها.

وفي وقت تتوسع فيه أجندة سياسة المملكة الخارجية وتتنوع موضوعاتها، وذلك بحكم انتمائها الجغرافي وإرثها الحضاري ودورها كمقوم للاستقرار في المنطقة والعالم، يأتي التحرك الدبلوماسي البحريني ليؤكد سعيها إلى مشاركة دول العالم تفاعلاته، ومخاطبة كياناته ومنظماته باللغة التي يفهمها حاليا، وهي لغة الاقتصاد، ما يضمن بالتأكيد تحقيق التطلعات النهضوية للدولة، وتنمية مواردها الذاتية، ومن ثم الترويج لبيئتها الاستثمارية التي تتمتع بها، وقوانينها الجاذبة لتدفقات رأس المال والأعمال.

وتبدو أهمية التحرك الدبلوماسي البحريني الأخير نابعا من عدة تطورات مهمة، فمن ناحية، فإنه يأتي في إطار توجه البحرين الإستراتيجي إلى الشرق، والذي دعمته الزيارات المتعددة رفيعة المستوى إلى دول شرق وجنوب آسيا، وكم الاتفاقات المتعددة التي تم توقيعها مع دول آسيوية كبرى خلال السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي يتوقع معه أن يفتح باب الانضمام لرابطة “الآسيان” آفاقا جديدة للتعاون الوثيق بين مملكة البحرين ودول الرابطة القوية التي تمثل أقطاب نمو العالم الجديد حاليا.

من ناحية أخرى، فإن للبحرين علاقاتها القوية والمتشعبة مع غالبية دول الرابطة، وتعود علاقاتها مع بعض أطرافها الأساسية إلى عقود طويلة مضت، خصوصا منذ الفترة التي تلت استقلال المملكة في سبعينات القرن الماضي، وقد دامت واستمرت هذه العلاقات بفعل حركة الاتصالات والزيارات المتبادلة بين الجانبين، وتوطدت مع توقيع العديد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم وبروتوكولات التعاون وإنشاء اللجان المشتركة، فضلا عن جمعيات الصداقة البرلمانية ورجال الأعمال.

وتبرز هنا علاقات البحرين التاريخية والقوية مع بعض دول الرابطة، والزيارات التي قام بها كبار مسؤولي الجانبين لبعضهما البعض، لاسيما بروناي دار السلام وتايلند وإندونيسيا وسنغافورة والفلبين وماليزيا وغيرها، وهي علاقات ذات أبعاد متشعبة، تجارية منها وعمالية وثقافية وحضارية، فضلا عن الاقتصادية والسياسية، وكان لها أكبر الفضل في زيادة معدلات السياحة المتبادلة بين الجانبين وتوسيع نطاق الاستثمارات المشتركة وتوطين الخدمات المالية في المملكة وتحديدا العمل المصرفي الإسلامي.

وبجانب ذلك، تتقارب إلى حد كبير التجارب التنموية التي انتهجتها المملكة وبعض دول الرابطة الآسيوية، ما يمثل باعثا آخر من بواعث هذا الاهتمام بالتحرك الدبلوماسي البحريني والانضمام لمعاهدة الصداقة، خاصة أن كلا الجانبين ـ البحرين وبعض أكبر دول الرابطة ـ أسسا نموذجا للتنمية والتطوير الشامل في غضون فترة قصيرة نسبيا، ونجحا في قطع شوط طويل في مسار نهضتهما، خاصة الاقتصادية، الأمر الذي قد يتيح للجانبين، خصوصا البحرين الاستفادة من التطور الذي حققته بعض دول الرابطة، لاسيما على الصعيد التنموي وتوطين الصناعات.

ويُنظر لهذا الأمر في الاعتبار، خصوصا وأن البحرين هي أول دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تنضم إلى وثيقة المعاهدة، وثالث دولة عربية بعد مصر والمغرب، ما يعزز دورها الذي تقوم به منذ سنوات في تمتين الروابط بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية من جهة وبين دول القارة الآسيوية في عمومها ورابطة الآسيان بشكل خاص من جهة أخرى.

ولا يخفى هنا جهود المملكة الموثقة في دعم هذه الروابط بينها وبين دول القارة الآسيوية في عمومها، والثقة فيها كوسيط متوازن وقادر على تقريب وجهات النظر ودعم أطر التشاور والتنسيق في المواقف، فقد استضافت البحرين الاجتماعين الوزاريين الأول والثالث لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والرابطة في مايو 2009 ونوفمبر 2013، وعملت بالتعاون مع ماليزيا كمنسق عن دول التعاون خلال الفترة 2013 إلى 2016 لتطوير آليات الحوار المشترك مع الآسيان، خصوصا على الصعيدين الاقتصادي والأمني، وساهمت في تأسيس “مجلس دول الآسيان والبحرين” العام 2017.

لذلك، تسعى البحرين للاستفادة من الميزات التي تتمتع بها الآسيان، وتضع في قمة أولويات تحركاتها الدبلوماسية النشطة إزاء الرابطة تحقيق تطلعاتها الاقتصادية وفتح آفاق جديدة لنهضتها وتجربتها التنموية، فضلا عن الحضور والتواجد في المحافل المختلفة والتعريف بمصالحها الحيوية.

ويشار إلى أن الرابطة نجحت في رفع قيمة التبادلات التجارية بين دولها إلى درجة الوصول إلى نوع من أنواع الاندماج الاقتصادي، حيث باتت تشكل خامس أكبر تكتل اقتصادي في العالم بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين واليابان، ويتوقع أن تصبح رابعا العام 2050، وتحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث استقطابها للاستثمارات الأجنبية، وتعد واحدة من أسرع مناطق العالم نموا، وتقترب قيمة اقتصادها من ثلاثة تريليونات دولار. ولا يخفى هنا مدى النفع الذي يمكن أن يعود على البحرين بانضمامها لرابطة بمثل هذه القوة التي يبشر بها مستقبلها في ظل المقومات والقدرات التي تملكها.