+A
A-

أبو طالب: “الأهلي المتحد”... بنك رقمي

المحادثة الآلية عبر “الواتساب” نقطة البداية

3 متغيرات تدفع البنوك للتحول الرقمي

مشروع لأتمتة المعاملات الداخلية ورفع الكفاءة

خطة تحول تشمل “الذكاء الاصطناعي” و“البيانات الكبيرة”

 

“الذكاء الاصطناعي” و”البيانات الكبيرة” و”أتمتة العمليات” جميعها عبارات نسمعها كثيرًا في السنوات الأخيرة، وهي عناوين لثورة صناعية رابعة تقوم على المعلوماتية التي تتيح إدارة أمثل للموارد ورفع الكفاءة والفاعلية، ولم تكن هذه الثورة غائبة عن ذهن إدارة البنك الأهلي المتحد، وهو أحد أكبر بنوك المنطقة والذي لديه عدد كبير من العملاء في قطاع الأفراد، وطيف واسع في من العملاء قطاع الشركات. 

وقبل 6 شهور بدأ البنك في تنفيذ استراتيجية طموحة لـ “التحول الرقمي” إيمانًا منه بأن تلبية حاجات العملاء والزبائن أولوية، إذ شكلت المجموعة فريقًا يضم قرابة 30 موظفًا ومختصًّا في الخدمات المالية والمعلوماتية، وبدأت في فترة وجيزة بتنفيذ مبادرات هذه الاستراتيجية.

ومن باكورة منتجات هذا التحول، أطلق البنك خدمة الرد الآلي على استفسارات الزبائن عبر “الواتس آب” والذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، كما بدأ بمشروع لنقل البيانات للحوسبة السحابية، الأمر الذي يتيح كفاءة أكبر في خدمة العملاء، إلى جانب الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة وأتمتة المعاملات.

وللوقوف على هذه الخطة كان لـ “البلاد” هذا اللقاء مع رئيس التحول الرقمي للمجموعة في البنك الأهلي المتحد سميح أبو طالب:

 

هل لك أن تحدثنا لماذا توجّه البنك الأهلي نحو الرقمنة في عملياته؟

الخطوة بدأت بمبادرة من الرئيس التنفيذي للمجموعة الذي رغب في أن يبدأ البنك مشوار التحول الرقمي، خصوصًا مع اختلاف اتجاهات العملاء والتوجّه نحو تقنيات الخدمات المالية (الفنتك). في الماضي، للحصول على الخدمة من البنوك كان يجب على الزبون التوجه لفروع البنك في ساعات الدوام الرسمية، لكن ذلك تغير اليوم، فالعملاء يرغبون الحصول على الخدمة في أي وقت دون الارتباط بحدود زمنية وجغرافية.

الأمر الآخر أن اتجاهات المنافسة اختلفت، ففي السابق كانت البنوك تنافس بعضها، لكن الآن دخل على خط المنافسة شركات التكنولوجيا المالية والاتصالات.

خذ على سبيل المثال ما يعرف بـ “التمويل الجماعي” والتمويل من “نقطة لنقطة” peer to peer والذي أصبح يمثل لاعبًا رئيسيًّا في عمليات تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالمملكة المتحدة، (...) لا أعتقد أننا بعيدون بالمنطقة عن ذلك.

فالتغير بحاجات العملاء ودخول منافسين جدد والتشريعات الجديدة لا سيما التي وجدت في البحرين وهي رائدة في هذا المجال، كل هذه الأمور مجتمعة جعلت من عملية التحول ضرورية، أضف إلى ذلك رضى العملاء الذي هو في نهاية المطاف الهدف الأسمى للبنك، إذ نهدف من إلى مواكبة احتياجات العملاء سواء الحاليين أو المستقبليين.

 

نتكلم هناك عن عملية تحوّل شاملة وكبيرة بحجم البنك، أين سيكون هذا التحول؟

هذا التحول سيتم في عدة مستويات، الأول هو الثقافة وتغيير السلوك وتهيئة الموارد البشرية لتقبل التغيير وتبني التقنيات الجديدة مثل التحول من المعاملات الورقية إلى المعاملات الإلكترونية، فيما يتضمن الثاني تحديث أنظمة تقنية المعلومات، أما الثالث فهو النموذج التشغيلي Operating model.

بدأنا جهود كبيرة على مستوى الموارد البشرية من خلال توظيف متخصصين بهذا المجال، فيما نراعي من ناحية تقنية المعلومات أن تكون كل التقنيات مربوطة بمعالجة البيانات والتحول للحوسبة السحابية.

لا أعتقد أن البنوك لديها مشكلة في بنك المعلومات، إذ لدينا معلومات كبيرة، لكن التحدي هو في معالجة هذه البيانات الكبيرة، (...) هيأنا البنك لاتخاذ خطوة في هذا السياق، لدينا “قاعدة معلومات” متطورة، وبدأنا بالفعل في معالجة هذه البيانات.

ومن ناحية النموذج التشغيلي فقد تبنينا نموذج الفرق المصغرة.

 

متى بدأتم بتطبيق خطة التحول الرقمي؟

بدأنا الخطة خلال ديسمبر ويناير الماضي ونأمل في إنجازها خلال ثلاث سنوات، وقد حققنا تقدمًا كبيرًا خصوصًا في الجانب الذي يتعلق بالتعليم والتدريب، (...) بدأنا بتقديم بعض المنتجات ونقل أعمالنا إلى الحوسبة السحابية واستخدام الذكاء الاصطناعي عبر خدمة “الواتس اب” والتي تتيح خدمة فورية ومباشرة للعميل، والتي أصبحت مطبقة على أرض الواقع في غضون 12 أسبوعًا، وهو أمر يظهر جدية البنك في التنفيذ. طبعًا كان لمرونة وتعاون مصرف البحرين المركزي دور كبير في إطلاق الخدمة بهذه السرعة، وهو أمر يحتسب له.

أنت المسؤول عن فريق التحول الرقمي، كم عددهم وكيف يتم اختيارهم وما هي مسئولياتهم؟

يتطلب نجاح خطة التحول الرقمي امتلاك المهارات اللازمة لذلك، لهذا السبب، فقد وظفنا العديد من المتخصصين في العديد من المجالات كالبرمجيات والهندسة والأتمتة وغيرها.

لدى البنك الأهلي المتحد فريق رقمي متكامل يتعامل مع وحدات الأعمال ويتفهم أهدافها، كما يتولى مسئوليات التعامل مع شركات الخدمات المالية الأخرى لفهم أفضل الممارسات ومعرفة كيفية الابتكار. ومن هنا، وضعنا خطة عمل لتطوير منتجات جديدة تتيح أساليب عمل جديدة وزيادة كفاءة تكنولوجيا المعلومات لدينا.

كان علينا توظيف العديد من الكفاءات الجديدة في مجالات الهندسة، وهو جوهر ما نقوم به الآن، حيث حرصنا على توفير تقنيات المعلومات المرنة ليتسنى لنا أداء مهام عملنا بكفاءة عالية. وهذا يعني تنظيم عملنا من خلال التأسيس لفرق عمل صغيرة نطلق عليها اسم “الفرق”، وهي فرق متعددة الاختصاصات تمكّننا من اتخاذ القرارات الصائبة بشكل أسرع. كما استقطبنا أيضًا أصحاب المنتجات الذين تعاملنا معهم عبر مصادر خارجية للعمل ضمن فرق تكنولوجيا المعلومات لدينا وبشكل مستمر، فهم يمتلكون الأدوات والمنتجات وقادرون على التعامل مع الأعمال المناطة بهم بالتعاون مع دائرة تقنية المعلومات بالبنك.

 

ما خطة البنك فيما يتعلق بالبنية التحتية والحوسبة السحابية؟

نهدف الاحتفاظ بنسبة تقل عن 10 % فقط من تطبيقاتنا القديمة خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، وعلى مستوى البحرين نأمل أن يتم خلال الـ 24 شهرًا المقبلة التحول الكامل للحوسبة السحابية وذلك على مراحل تنتهي بالأنظمة الأساسية Core banking.

نحتاج إلى بنية تحتية من الجيل التالي لتوفير بيئة تكنولوجيا معلومات متطورة خاصة بنا. وتعتبر خدمات الـ IaaS وPaaS خدمات جيدة لهذا الغرض، ففي البحرين يمكن للبنوك استخدام الحلول السحابية العامة ونريد مثل تلك المرونة العالية. ولتحقيق ذلك، قمنا ببناء استراتيجية الحوسبة السحابية الخاصة بنا عبر أدوات مفتوحة المصدر تمامًا، ليتسنى لنا تغيير بيئتنا بسهولة، وستمنحنا السحابة الخاصة قدرة عالية على التوسع والتقليص بحسب الحاجة.

بما أن عملية التغيير ستكون على جميع المستويات، كيف يتم ضمان التجانس بين مختلف الإدارات لتحقيق ذلك؟

اتبعنا نموذجًا جديدًا لتشغيل تكنولوجيا المعلومات، ينطوي على تطبيق ممارسات رشيقة بشكل قياسي وطريقة للعمل مع وحدات الأعمال.

وبموجب هذا النموذج، ستتخذ الدوائر المعنية لدينا في البنك، مثل الخدمات المصرفية للأفراد والجملة، قرارات مشتركة مع تقنية المعلومات وتقدم تعليقات يومية على المنتجات الرقمية التي يتم توفيرها لهم من قِبَل مالكي المنتجات المتخصصين لدينا. ويعتبر هذا بمثابة التغيير الكبير، حيث يجتمع مالكو المنتجات مع فرق تكنولوجيا المعلومات لتحسين السرعات والكفاءة التشغيلية وتحديد الأولويات. ويعتمد النجاح الرقمي على الشراكة بين دائرة تكنولوجيا المعلومات ودوائر الأعمال الأخرى بالشركة، ما سيحدث تغييرات هائلة في العديد من الشركات.

 

ماذا سيستفيد البنك من تحليل البيانات الكبيرة؟

لدى المجموعة حاليًّا عدد كبير جدا من الأفراد فضلا عن الطيف الواسع من العملاء من المؤسسات، وتعتبر البيانات حالياً وقودا للعمل في المستقبل، وهذا يعطينا قدرة على تحديد احتياجات العملاء وماهو أفضل منتج يمكن تقديمه لهم مستقبلا، وما هي احتياجات تهيئة المكاتب الخلفية لتوفير خدمة أفضل للعملاء ومواكبة متطلباتهم.

سأعطيك مثالاً، مركز الاتصالات في بعض الدول التي تعمل فيها المجموعة، يتلقى استفسارات متزايدة من عملاء معينين، عن ما إذا كان الأجر الشهري قد تم تحويله للحساب أم لا، حيث نستطيع من خلال معالجة البيانات توفير خدمة لهؤلاء بإرسال الرسائل لهم عند تحويل المبلغ، ما يعطيهم خدمة أفضل، ويزيد كفاءة مركز الاتصال، كما يفعل الخدمات الرقمية. ويمكن إعطاء مركز الاتصالات أدوارا أكبر مثل التسويق للمنتجات.

هناك فوائد لا حصر لها في معالجة البيانات من التسويق إلى مكافحة الاحتيال وغيرها من الخدمات.

ويقوم الذكاء الاصطناعي الآن بمراقبة قواعد البيانات لاكتشاف أنماط الوصول الاحتيالي. فعندما يرى هذا النظام أنماطًا غير منتظمة، يمكنه تسليط الضوء على مثل تلك المخاطر المحتملة.

 

تعتبر قضية أمن المعلومات مسألة حساسية، كيف تعاملتم معها في خضم هذه التغييرات؟

أمن المعلومات لم يعد من الممكن أن يكون شيئًا يتم تثبيته ليعمل بأثر رجعي، وبدلاً من ذلك، يجب تضمينه في جميع عملياتنا ومنتجاتنا. ويتضمن ذلك تقنيات جديدة، مثل جدران الحماية المحددة بالبرامج، بالإضافة إلى تدريب المستخدمين عليها. ومن خلال التدريب المستمر، أصبح موظفو البنك الأهلي المتحد أكثر وعيًا بمخاطر التصيّد، ونقوم بعمليات محاكاة لهجمات تصيّد احتيالي عبر البريد الإلكتروني بشكل منتظم لمواصلة تدريبهم وزيادة وعيهم.

وكجزء من الأدوات الجديدة، فإننا نستخدم الذكاء الاصطناعي لتطوير قدرات جديدة لموظفينا. ويقوم الذكاء الاصطناعي الآن بمراقبة قواعد البيانات لاكتشاف أنماط الوصول الاحتيالي، وعندما يرى هذا النظام أنماطًا غير منتظمة، يمكنه تسليط الضوء على مثل تلك المخاطر المحتملة.

وفي هذا المجال فقد حرصنا على الاستفادة من منصة الحوسبة السحابية لدينا، إذ قمنا ببناء سجل مركزي لبنيتنا التحتية ونستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد مخاطر الاحتيال أو المخاطر الأمنية، ويتوافر لدينا حاليًّا عدة نماذج تعمل على تحديد الحسابات الاحتيالية.

 

ما مبادراتكم لتقليل التعاملات الورقية داخل البنك؟

نعمل للاستفادة من تقنية تعريف عميلك إلكترونيًّا “E-KYC من أجل فتح الحسابات دون الحاجة إلى زيارة الفروع، سواء من خلال القدرات الداخلية للبنك أو التعاون مع مشروع الذي تعمل عليه “بنفت”، ونعمل على مشروع لأتمتة عمليات نقل البيانات الورقية من موظف لآخر، دون حاجة لنقل الأوراق بين الموظفين، عبر نظام لمسح المعلومات بالشاشات وإدخاله المعلومات آليًّا للنظام دون الحاجة للموظفين، (...) بدأنا المشروع بالكويت ونأمل أن نتوسع به ليشمل البحرين

 

كيف يقود البنك الأهلي المتحد عجلة الابتكار داخليًّا؟

نحن نركّز بشكل متزايد على قيادة عجلة الابتكار، ليس عبر تكنولوجيا المعلومات فحسب، بل عبر البنك بأكمله. ومن ضمن مهام دائرة تكنولوجيا المعلومات، يعد قيادة الابتكار واحدة من أهم القدرات التي نتطلع لتحقيقها عند التوظيف، فأكثر من نصف موظفي تكنولوجيا المعلومات لدينا من الموظفين الجدد، ونحرص دومًا على استقطاب وجذب المواهب من السوق المحلية والدولية، لا سيما وأن البحرين بلد جذاب للغاية ومستقطب للكفاءات، فالمملكة تهدف إلى أن تصبح دولة رقمية رائدة، فيما تعمل الجهات المعنية الحكومية على تقديم المبادرات الرقمية ووضع معيار جيد للشركات في البلاد.

وفي هذا الصدد، أقام البنك الأهلي المتحد مسابقة للابتكار الداخلي حيث يمكن لأي موظف عرض فكرة لتعزيز تجربة العملاء أو عملياتنا الداخلية على السواء.

 

هل هناك شيء آخر تستشعر أنه مهم لتحقيق النجاح؟

أحد العوامل الأكثر أهمية هو تَقَبُّل المديرين التنفيذيين؛ فيما نتمتّع بدعم هائل من قِبَل مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمجموعة، لأنهم يؤمنون جميعًا أن التكنولوجيا تأتي في صميم عمل البنك وتساهم في أن نكون ناجحين في عملنا وأن نكون أحد أهم البنوك الرائدة في المنطقة؛ فالابتكار والرقمنة أمران مترادفان ويسيران جنبًا إلى جنب، ويبقى كل ذلك مدعومًا بثقافة البنك بدءًا من القيادات العليا ووصولاً لأصغر موظف.