+A
A-

العنف ضد الأطفال.. آفة تهدد المجتمع

ضيق الحال والفقر أحد أسباب تفريغ الآباء طاقتهم السلبية في الضعيف

الطفل المُعنف عدواني يفتقر للثقة في النفس ولا يستطيع التعبير عما بداخله

 

بات العنف ضد الأطفال ظاهرة خطيرة تجتاح كل المجتمعات ومن بينها البحرين، وهي ظاهرة تخالف الفطرة الإنسانية خاصة إذا كان العنف صادرا من الأم والأب واللذين من المفترض أن يكونا مصدرا للحنان والعطف والرحمة لأطفالهم. وتمكن خطورتها في الآثار النفسية التي سوف تظهر على سلوكيات الأطفال أخلاقياتهم، فيتحولون من أطفال مُعنفين إلى مرضى نفسيين. إن الأثر النفسي الذي يتركه العنف في الأطفال قد يجعلهم فريسة لمرض الاكتئاب في مرحلة الشباب.

اليوم أصبحت بعض قلوب الآباء محلا للقسوة بدلا من العطف على أبنائهم، وبصورة غير متوقعة امتدت أيدي هؤلاء الآباء على فلذات أكبادهم بالضرب والحرق والخنق، وكأن البيوت تحولت إلى مُعسكرات تعذيب، والوالدين إلى جلادين.

 

ضاعفوا جرعات الحُب

كل ما يحتاجه الطفل في حياته هو الحب والعطف والرحمة من قبل الوالدين، فإذا كانت تُرفع عليه أيادي العطف والحنان، فكيف سوف يؤثر هذا العنف على نفسيته؟ إذا لم يجد الحنان من الأشخاص الذين من المفترض أن يأخذ منهم الحب. إنّ حب الأولاد، والرغبة في الاستكثار منهم، أمرٌ مغروس في النفس البشـرية، فترى الإنسان يبتهج لقدوم الولد، ويسعد لسعادته، ويحس بوجوده بمعنى الحياة، ويتقوى بالولد ويعتز ويمنّي نفسه بالمستقبل الزاهر. فالطفل وخصوصا في هذه المرحلة الحساسة قد يحتاج اللجوء إلى الحضن الدافئ الذي يحتمي به ليحس بنعمة الأمان والراحة النفسية.

 

هل التربية بضرب الأطفال؟!

“أ.م” شاب في مقتبل العمر لم يذق طعم حنان الأب قط، بل تربى على الضرب والإهانة والشتم والطرد من أب تجرد من كل مشاعر الأبوة والرحمة ينهال عليه بالضرب ليلا ونهارا بحجة التأديب! إلى أن انجرف إلى الحياة الخارجية القاسية التي جعلت منه إنسانا آخر يرى نفسه منبوذا من الجميع مفتقرا للحب. حرقة قلب الأم والدموع التي كانت تُذرف منها في الليالي الممطرة المظلمة؛ خوفا على فلذة كبدها الذي طُرد من المنزل لمجرد اللعب واللهو مع إخوته في المنزل أثناء نوم الأب.

وتذكر أم الطفل “أ.م”: لم أذق طعم النوم والراحة وأنا أرى طفلي الصغير مُعاقبا، وخارج المنزل مشردا؛ بسبب وحشية الأب وأنا جالسة مكتوفة الأيدي أنظر إليه من الشباك إلى عينه المليئة بالدموع والخوف، وأنا لا أستطيع فتح الباب خوفا من الأب. إن قسوة الأب الظالم وتكرار ضرب الطفل أمام إخوته الصغار يولد في قلوبهم الكراهية تجاه الأب الذي من المفترض أن يكون القدوة الحسنة لأبنائه. ويجعل من الطفل البريء شابا متمردا محاطًا برفاق السوء مُنجرفا لمغريات الحياة القاسية.

وتتابع الأم: المشكلة الأساسية أن ذلك بات يؤثر على ابنتي الأخرى التي تفزع من نومها على صراخ بين الأب والأخ، ربما بسبب الضغط النفسي واختلاف التربية المتناقضة في المنزل، وأكثر ما أخافني مؤخرا كلمة قالتها لي: إنه عندما يكبر سيصبح، والدي مسنا ولن يستطيع ضرب أخي مجددا.. عندها سأقوم انا بضرب والدي!! فمن المسؤول عن كره الأبناء لأبيهم لهذه الدرجة.

لقد حان وقت الحماية

998 .. الخط الساخن لمركز حماية الطفل، وهو مؤسسة رعاية اجتماعية تتبع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. وذكر أحد موظفي الخط الساخن بأن المركز يعمل على إدارة الرعاية الاجتماعية وحماية الأطفال منذ الولادة حتى سن 18 سنة، وحمايتهم من كل أشكال سوء المعاملة، فقد تتعدد أشكال العنف ضد الأطفال بين حالات الإيذاء الجسدي والنفسي والاعتداء الجنسي والإهمال الشديد وحتى الضرب المُبرح.

وأكد أن على الطفل المجني عليه فتح ملف وتقديم بلاغ في مركز الشرطة قبل مباشرة الإجراءات اللازمة، حيث يتلقى المركز البلاغات من الأطفال أو ذويهم والمهنيين من أطباء واختصاصيين ومدرسين وغيرهم من المواطنين لتتم مقابلة الطفل المعتدي عليه وأسرته داخل المركز وتُقدم له خدمات نفسية واجتماعية وتعليمية، كما يتم تحويله للجهات ذات العلاقة لتقديم الخدمات الأخرى التي يحتاجها الطفل.

 

قلوب من حجر

صرح رئيس النيابة بنيابة الأسرة والطفل إبراهيم البنجاسم، بأن محكمة التميز الدائرة الثانية أصدرت حكما يوم 20 مايو ‏2019 بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع برفضه في القضية الخاصة بوفاة طفلة ذات تسعة أعوام نتيجة تعذيبها والمتهم فيها زوجة أبيها وكذلك والدها، حيث قضت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة بتاريخ 11 أبريل ‏2018 ببراءة والد المجني عليها، فيما أدانت المتهمة زوجة الأب وقضت بمعاقبتها بالسجن 7 سنوات. وأصدرت محكمة الاستئناف العليا الأولى بتاريخ 25 سبتمبر 2018 بقبول استئنافين شكلا وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المستأنف.لنتذكر جميعا أن من لا يَرحم لا يُرحم، لنعمل جميعا على محاربة العنف وظاهرة ضرب الأبناء بحجة تربيتهم لتنشئة أطفال أصحاء جسديا ونفسيا وعقليا. فكم من فتاة تريد أن تعيش في الحياة من غير زوج بسبب رد فعلها عما رأته في حياتها من سوء معاملة أبيها لها أو لأمها وإخوانها، فصارت تظن أن كل الرجال مثل أبيها وعزفت عن الزواج، فالأب ينبغي أن يكون نعمة لا نقمة، ومصدر الأمان والحماية للأسرة لا مصدر تهديد وخوف ورعب.

 

المُعنفون فريسة للأمراض النفسية

ذكرت هنادي المرزوق الطبيبة في العلاج النفسي والجلسات الاستشارية، أن أهم أسباب شيوع حالات العنف ضد الأطفال من قبل الآباء يعود في البداية إلى طبيعة المجتمعات الشرقية التي نعيش فيها. فنجد بأن الأب قد يتربى في ظروف قاسية يحكمها التسلط والتأمر والعنف، فيكبر الولد وتكبر معه القسوة التي تربى عليها. إلى أن يتزوج ويبدأ يفرغ الكتمان الذي كان يمر فيه ويمارس العنف والسلطة على الأبناء مثل ما عاش في طفولته.

وأضافت قد تكون أيضا للظروف والضغوطات المادية التي يمر فيها الأباء، فضيق الحال والفقر أحد الأسباب التي تجعل الأباء يفرغون طاقتهم السلبية في من هم أضعف منهم، ولا ننسى الضغوطات النفسية التي يمر بها الأباء أو حتى من المراحل التي مروا بها في حياتهم، والتي قد يكون تأثيرها أكبر وأقسى على نفسية الطفل حين يرى أحد والدينه يطفي غضبه وقوته فيه.

وأكدت المرزوق أنه في حال عدم اللجوء لحل المشكلة بالطريقة المناسبة والصحيحة قد تسوء حالة الطفل ويبدأ التأثير النفسي الذي يتركه الأباء على أبنائهم. وبالتالي قد يتحول هذا إلى أمراض جسدية تؤثر على صحتهم وليس نفسيتهم فقط. فقد نرى أن الطفل المُعنف يفتقر للثقة في النفس ولا يستطيع التعبير عما بداخله، فيبدأ بالكتمان والصعوبة في اتخاذ القرارات وأيضا التردد في أبسط الأمور. فنرى بأن الطفل المُعنف عدواني وقد يصل به الأمر إلى أن يمارس العنف الجسدي على من هم أصغر وأضعف منه. أن من الطبيعي إذا لم يتعالج الطفل، فقد يتحول هذا التأثير النفسي إلى أمراض جسدية مثل قلت النوم والأرق والتبول ألاإرادي أثناء النوم، ومن الممكن أن يؤثر عليه أيضا عند الكبر ويسبب لخبطة في الهرمونات، وبالتالي يؤدي إلى العجز الجنسي، وعدم القدرة على الإنجاب.

ومن جهة آخرى، من المعروف بأن الأم هي مصدر الحب والحنان والعطف في المنزل، ولكن سبحان من نزع الرحمة من قلوب بعض الأمهات وخصوصا الأم المتسلطة. أي التي تأخذ دورها ودور الأب في جميع أمور المنزل وتقوم بتربية الأبناء بعنف وخصوصا الأولاد، حيث لا تسمح له باتخاذ أبسط الأمور بنفسه. إلى أن يكبر الابن وهو لا يستطيع تحمل المسؤولية بنفسه خصوصا إذا كان متزوج، فقد لا يستطيع اتخاذ القرارات السليمة، فيلجأ إلى تعنيف الأبناء؛ لكي يطفئ عما بداخله على ذلك الجسد الصغير لمجرد أنه لم يستطع ولا يملك القدرة على اتخاذ القرارات بنفسه.