+A
A-

التوظيف في “التربية”... معضلة لا تتوقف

سد النقص، والاستفادة من الخبرات النادرة، كانت دائما مبرر وزارة التربية والتعليم بشكل خاص والجهات الحكومية الأخرى بشكل عام لتفضيل الأجنبي على المواطن في التوظيف في القطاع العام، خصوصا مع عدم وجود المرشح البحريني الذي يستوفي شغل الوظيفة المطلوبة.

ولا تتوقف معضلة التوظيف بالنسبة للباحثين عن عمل من المواطنين في القطاع التربوي والعام على تفضيل الأجانب في بعض الحالات المحدودة، حيث رأى الخريجون الجامعيون الذين التقتهم “البلاد” أن المشكلة الأكبر تتمثل في غموض وإبهام المعايير التي يتم على أساسها تفضيل مرشح على آخر.

وسرد الخريجون من تخصصات مختلفة عددا من التجارب الشخصية التي عايشوها خلال سنوات التقديم على مسابقات وظائف القطاع التربوي والعام، بما يؤكد رؤيتهم بضرورة الحاجة إلى وضع آليات ومعايير واضحة تعزز من شفافية التوظيف في القطاع العام والإجراءات المصاحبة لها.

ولفت الخريجون إلى دور “المحسوبيات” في عملية التوظيف، والتي انعكست سلبا على جودة ومخرجات التعليم، في الوقت الذي تحتفل فيه مملكة البحرين بمئوية التعليم النظامي.

 

تعثرت بالمكتبة ففصلت!

كان قدر إحدى خريجات علوم الحاسوب بمعدل امتياز والفائزة بأفضل مشروع تخرج على دفعتها والمجتازة أحد أبرز امتحانات اللغة الإنجليزية العالمية، أن تعمل أمينة مكتبة بإحدى المدارس الخاصة، لتتعثر ذات يوم في المكتبة، وتتعرض لإصابة عمل تستدعي مكوثها في المنزل، فتقرر الإدارة فصلها بدواعي ضعفها في اللغة الإنجليزية والحاسوب!

لا تزال تلك الخريجة منذ العام 2016 تتنقل من وظيفة لأخرى، بعضها بأجر وأخرى من دون أجر، وتقدم على شواغر وزارة التربية والتعليم وتجتازها بسهولة، دون أن يتم اختيارها للوظيفة.

وأشارت إلى أن مشكلة نظام التوظيف بوزارة التربية والتعليم تتمثل في عدم وجود نظام واضح للتوظيف.

 

سد نقص “الرياضة” بالمتدربين

اعتبر خريج تخصص التربية الرياضية الأسلوب الذي تنتهجه وزارة التربية والتعليم لتغطيتها النقص الحاصل لديها في المدارس والاستعانة بمعلمين أجانب، تهميشا لمئات الخريجين من هذا التخصص.

وأشار إلى أنه بالرغم من توقف الوزارة عن توظيف خريجي التربية الرياضية ووجود أكثر من 300 عاطل من أبناء هذا التخصص، مازالت جامعة البحرين تفتح أبوابها لقبول طلبات التقدم على دراسة هذا التخصص الذي يبلغ عدد الدارسين فيه نحو 200 طالب جامعي.

 

“قدامى” الجغرافيا التطبيقية.. خارج السباق

رغم عملها سنوات كمعلمة بإحدى المدارس الخاصة ذات التقييم المتقدم، مازالت خريجة الجغرافيا التطبيقية غير مؤهلة وفق معايير وزارة التربية والتعليم لامتحانات التوظيف.

وذكرت الخريجة أنها منذ تخرجها في العام 2007 تقدمت لشواغر الوزارة لأكثر من 11 مرة، فيما يتم إبلاغها أنها لم تجتز المسابقة.

ولفتت إلى أن الوزارة تفضل توظيف حديثي التخرج على الخريجين القدامى وذوي الخبرة منهم.

 

وظائف “الكيمياء”.. للرجال فقط!

رغم اعتبار تخصص الكيمياء من التخصصات الصعبة التي يتم الاستعانة فيها بمعلمين من الخارج، إلا أن خريجات الكيمياء مازلن يجدن الصعوبة في الحصول على فرصة التوظيف بوزارة التربية والتعليم ومختلف الوزارات والهيئات الحكومية.

الخريجات أكدن أن فرص الذكور أكبر بكثير من الإناث في سوق العمل، حيث تفضل أغلب المصانع الذكور على الإناث لشغر مواقع عملهم بالمختبرات.

وتشير إحداهن إلى أنها تقدمت على وظيفة معلمة كيمياء في دولة الإمارات العربية الشقيقة، ممتدحة نظامهم في التوظيف الذي يدعو الخريج للاستفسار عن طلبه في حال عدم تلقيه ردَّا خلال 10 أسابيع من التقديم.

 

شواغر التربية الفنية.. “مثلث برمودا”

واحدة من غرائب تصريحات وزارة التربية والتعليم، بيان أكد فيه الوزير حينها أن الوزارة طرحت 16 شاغرا لتخصص التربية الفنية، ولم يتقدم لهذا الشاغر سوى شخص واحد.

وأفادت إحدى خريجات التخصص التي تقدمت على شواغر الوزارة لأكثر من 8 مرات، أنها كانت ضمن الخريجات الأربعة عشر اللاتي تقدمن للوظيفة في ذات العام الذي صرح فيه الوزير بأن عدد من تقدموا على شواغر الوظيفة شخص واحد فقط.

وذكرت أن الأغرب من ذلك هو أن من تم اختيارها للوظيفة حينها لم تكن ضمن الذين خاضوا مسابقة التوظيف البالغ عددهم 14 خريجا.

امتحانات توظيف “بالخشّة” في ديسمبر

من محاسن الصدف ومساوئها، كانت حين قصدت إحدى خريجات تتخصص الرياضيات في ديسمبر الماضي مبنى مسابقات التوظيف بوزارة التربية والتعليم بالمنامة، فوجدت المبنى كخلية نحل تعج بخريجين يقدمون امتحانات ويجرون مقابلات توظيف بالوزارة دون إعلان مسبق بذلك.

وأشارت خريجات الرياضيات إلى أنه بالرغم من كون تخصصهن من التخصصات المطلوبة، والتي عادة ما يتم الاستعانة لملء شواغرها بمدرسين من الخارج، يتم رفضهن في كل مرة يخضن فيها مسابقات التوظيف التي تراوحت بين 8 و10 سنوات.

وشكين إغلاق مركز المراجعين في مبنى الوزارة بمدينة عيسى أبوابه في وجوههن، وتفضيل الوزارة لخريجي كلية المعلمين على خريجي كلية العلوم.

واعتبرت خريجة تعمل في إحدى المدارس الخاصة منذ نحو 6 أعوام امتحان التوظيف بمثابة “المتاهات والألغاز” التي عجز عن حل بعض مسائلها منسقيو الأقسام والمعلمون الأوائل بالمدرسة التي تعمل بها.

وتساءلت: ما قيمة الجامعة الوطنية ومخرجاتها إن لم يكن خريجوها جديرين باجتياز امتحانات التوظيف وامتهان التعليم؟

وأضافت أخرى: إن أصدق دليل على كفاءتنا هو نقل الطلاب الذين نتولى إعطاءهم دروسا خاصة من مستويات متدنية إلى مستويات متقدمة.

 

خريجات علم الاجتماع.. حاضنات أطفال!

لم تؤهلها شهادتها في علم الاجتماع للحصول على فرصة وظيفية في مجال تخصصها، في الوقت الذي أهلتها دورة للعمل في رياض الأطفال تمتهن ضمن مسؤولياتها الوظيفية “تبديل حفاظات” الأطفال.

آخر الحلول التي طرحتها وزارة العمل على خريجي التخصص أن تعيد تأهيلهم للعمل في مجالات خدمة العملاء، فضلا عن ترشيحهم سابقا لوظائف باعة في الأسواق الكبيرة، ومربيات حضانة.

الخريجات أشرن إلى أنه منذ تخريج أول دفعة في 2005 وحتى الآن لم يتم استدعاؤهن لأي مسابقة وظيفية في وزارة التربية والتعليم، في الوقت الذي يفضل فيه سوق العمل خريجي الخدمة الاجتماعية في وظائف الاختصاصيات والباحثات الاجتماعيات.

وذكرن أنه في العام الماضي وظفت وزارة الصحة 18 خريجا جديدا من علم الاجتماع دون الإعلان عن تلك الشواغر، في الوقت الذي يتم رفض قبول طلبات الخريجين القدامى للشواغر التي يعلن عنها ديوان الخدمة المدنية بداعي عدم توفرنا على الخبرة.

ولفتن إلى أن وزير العمل والتنمية الاجتماعية في أكثر من مناسبة يبلغهن أن توفير حلول توظيفهن بيد وزارة التربية والتعليم، وليس بيد وزارة العمل.

 

“الغرفة” لا توظف “أي أحد”

تميزها في تخصص الإحصاء وجودة أدائها في مسابقات التوظيف لم يشفع لها في اجتياز عقبات التوظيف في عدد من الجهات ومؤسسات القطاع العام على مدى 10 سنوات منذ تخرجها.

تقدمت الخريجة في إحدى المرات على وظيفة بوزارة العمل، إلا أن النتيجة الصادمة كان توظيف شخص تم اختياره مسبقا.

وفي تجربة أخرى تقدمت فيها الخريجة على وظيفة باحثة اقتصادية بغرفة تجارة وصناعة البحرين، ورغم اجتيازها الامتحانات المقررة لم تتلق أي اتصال يفيد باختيارها لشغر الوظيفة، ولدى مراجعتها الغرفة تم إبلاغها من أحد الموظفين هناك أن “الغرفة ما تاخذ أي أحد”.

وأما هيئة جودة التعليم والتدريب، فتقدمت الخريجة فيها على وظيفة تم الإعلان عنها، ولم يكن معها في الامتحان سوى منافسة واحدة، فكانت المفاجأة أن حضرت إحدى الموظفات بالهيئة وأظهرت اهتماما خاصا بالمنافسة، وتطمئنها بقولها: “ما عليش إنتي واصلة”.

وأقصى ما استطاعت بلوغه تلك الخريجة أن سعت عبر علاقاتها الخاصة إلى الحصول على فرصة عمل المؤقت في الامتحانات الوطنية، ورغم أن الفرصة أتيحت لها للعمل لثلاث دورات، إلا أن المعاملة السيئة من المسؤولين منعتها من الاستمرار والمواصلة في العمل لسنوات لاحقة.

كل ذلك في الوقت الذي لا يلقى فيه خريجو تخصص الإحصاء ترحيبا من جانب وزارة التربية والتعليم.

 

“الدخلاء” يزاحمون خريجات التاريخ

تتحدث خريجات التاريخ عن مزاحمة الدخلاء على التخصص لشواغرهم بوزارة التربية والتعليم، حيث يجري توظيف خريجات التخصصات الأخرى كمدرسات لمقررات التاريخ، في الوقت الذي تمتلئ فيه طوابير الانتظار بالعاطلين من أبناء هذا التخصص.

وتطرقن إلى انعدام شفافية الوزارة في الإفصاح عن نتائج مسابقات التوظيف، والمعاملة غير اللائقة التي يتلقينها من موظفي الوزارة في أوقات المراجعة، وعدم الرد على الاستفسارات التي يبعثنها للوزارة بمختلف الطرق ولمختلف المسؤولين.

 

7 أعوام رهين لقوائم الانتظار

بعد سبعة أعوام من تخرجه، مازال خريج تخصص اللغة العربية والأول على دفعته في الأدبي بالمرحلة الثانوية رهين لقوائم الانتظار لوظيفة معلم بوزارة التربية والتعليم.

ورغم اجتيازه الاختبارات والمقابلات المقررة بمسابقات التوظيف، إلا أن إحالته على قوائم الانتظار في كل مرة ووعده بالاتصال به فور توفر الشاغر، كانت حائط الصد الذي يمنعه من تحقيق طموحه بالحصول على وظيفة في مجال التدريس.