+A
A-

عرض مضامين “غاندي وقضايا العرب والمسلمين” في “العروبة”

“أُردي المهاتما غاندي قتيلًا بثلاث رصاصات في صدره مباشرة، لكن مبادئه لم تمت، فالعالم اليوم في أمس الحاجة إلى مبادئ السلم والمحبة والتعايش بين الشعوب، وحُكم على قاتله “ناتورام غودسي” بالإعدام شنقًا، لكن أمثاله اليوم كثيرون ممن يقتلون الناس ويدعون أنهم ما قتلوا الأبرياء إلا بأوامر من الإله، ومنهم من يقتل ويهتف بنداء “الله أكبر” ويسفكون الدماء باسم الرب وباسم الدين”.
تلك الفقرة أوردها الكاتب عبدالنبي عبدالله الشعلة مؤلف كتاب :”غاندي وقضايا العرب والمسلمين” في الملتقى الفكري بنادي العروبة ضمن موسمه الثقافي مساء الأربعاء 6 مارس 2019، وأدارها الكاتب عبدعلي الغسرة الذي قدم الشعلة باعتباره أحد أعلام الثقافة والإعلام والسياسة، رئيس مجلس إدارة دار البلاد للصحافة والنشر والتوزيع، وتقلد عدة مناصب عليا في الدولة ونال العديد من الأوسمة والجوائز. أما كتابه، فيتناول محطات فاصلة في حياة المهاتما غاندي وموقفه من التسامح الإنساني وأشكال الظلم والعنف والإرهاب، وتقدير غاندي للإسلام وللنبي محمد “ص”، وموقفه من الصهيونية ومناصرته الدائمة للقضايا العربية، كما يتحدث الكتاب عن الانفصال الهندي وتأسيس دولة باكستان، والكتاب من إصدارات الدار العربية للعلوم “ناشرون” في العام 2018، ونشرته الصحافة المحلية باعتباره من الكتب المرشحة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورته الثالثة عشرة في فرع التنمية وبناء الدولة ضمن 6 أعمال من أصل 173 عملًا تقدمت للجائزة أغلبها من الممالك الأربع: السعودية، البحرين، الأردن والمغرب.
تساءلت: ما الذي يجمع هؤلاء البشر؟
وعبر الشعلة في حديثه عن سعادته بالوجود في منتدى يضم النخبة، وفي هذا المنبر الثقافي المعروف بالتزامه بحرية الفكر والنقد، لكنه أعاد السؤال الذي طرحه في مقدمة كتابه :”لماذا وبعد سبعين سنة وأكثر من وفاة المهاتما غاندي، وبعد أن امتلأت المكتبات في كل دول العالم بكتب عنه بمختلف اللغات علاوةً على كتبه ومذكراته وأعماله الكاملة في 98 مجلدًا، والهنود في مجال تقنية المعلومات ملأوا الصفحات على شبكة الإنترنت بمعلومات، ثم يأتي كاتب من البحرين ليكتب عنه؟ لماذا هذه الخطوة؟ ليجيب أنه في العام 1969 شاءت الأقدار أن أزور الهند زيارة قصيرة ومرورا عابرا لمرافقة شخص للعلاج، والتذكرة لا تزال عندي على الخطوط الهندية إلى بومبي، دلهي ثم لندن لاستكمال دراستي، لكن أعجبتني الهند وبقيت لمدة أربع سنوات لم أزر فيها البحرين إلا مرة واحدة فقط، ووجدت نفسي في أمواج من الوجوه المختلفة واللغات واللهجات والأديان، حيث لا دين في الدنيا إلا موجود وملابس الناس وألوانهم، ووسط هذا التباين الكبير وهذا العدد الضخم من البشر الذين يعيشون مع بعض ومعهم تعيش الحيوانات، وتساءلت: “لابد من أن هناك ما يجمع هؤلاء البشر مع بعض ويلزم أن نتعلمه وهو إمكان التعايش من غير أي خلاف وأي تصادم ونزاعات”.
رد الدين والجميل لهذا البلد
وفي ذلك العام، صادف مرور 100 عام على مولد المهاتما والتحقت بالجامعة في تخصص العلوم السياسية والإدارة العام، وأصبح غاندي محيطًا بي في الدراسة والحياة، ونما هذا النوع من التواصل والتقدير لهذا الرجل لدي وهي صبغة من المشاعر التي ضمنتها كتابي للميول إليه، وحتى من قال إننا لم نجد أي نقد ضده في الكتاب، فهل هذا الشخص كامل ولا آراء مختلفة تجاهه، لكن الفكرة هي أنني ركزت على جوانب معينة في الكتاب، وبعد العيش 4 سنوات في الهند، هي من أسعد سنوات حياتي، يشعر أن عليه دين لهذا البلد وأحد أوجه رد الجميل هو إصدار هذا الكتاب؛ للمساهمة في الجهود المبذولة لمحاصرة حالة العنف والاقتتال والكتاب جاء في غمرة ظاهرة “داعش” والقتل والعنف والتفرقة، هنا، نساهم بقدر الإمكان بفكرة أو عمل يسهم في تأكيد ضرورة الالتزام بقيم السلام واللاعنف في تحقيق التغيير المطلوب، فالتغيير في المجتمعات مطلوب ومشروع وضروري، والرغبة في المشاركة في اتخاذ القرار وصياغة مستقبل الأوطان كلها حقوق مشروعة للناس، لكن تحقيقها كيف تكون فالأفضل أن تكون بالوسائل السلمية، ولذلك، فإن غاندي بإمكاناته وبالطرق السلمية الكاملة، تمكن من تحقيق استقلال بلاده وانتزاعها من يد الإمبراطورية البريطانية بأساليب سلمية وتمكن من ذلك وزارهم في بلدهم، وسبق ذلك أن صناعة النسيج تأثرت في بريطانيا بعد حملته في الهند لمقاطعة المنتجات البريطانية خصوصا المنسوجات والألبسة، فتأثر هذا القطاع تأثرًا كبيرًا وضربت هذه الصناعة ولم تعالج، وحين زار مركز صناعة المنسوجات وتوقعت الحكومة البريطانية مواجهته بعنف، لكن رحبوا به وقدروا موقفه واحترموه، ذلك أن الوسائل السلمية وتحقيق نتائجها هو الغرض من هذا الكتاب.
“قتلت الرجل بأمر من الرب”
وتطرق الشعلة إلى أن كتابه ليس “كتاب سيرة حياة غاندي”، فقد كتب عن سيرته الكثير، إنما هو مرور على محطات معينة للوصول إلى نتيجة معينة وهي أن المهاتما غاندي كان رجلًا يقف إلى جانب قضايا العرب والمسلمين وقفة قوية، وتفهم قضاياهم ودفع حياته ثمنًا لذلك، فالرجل الذي قتله هندوسي من الهندوس المتشددين، وحين وقف أمام المحكمة قال بكل صراحة ووضوح :”أنا قتلت هذا الرجل استنادًا إلى أوامر الرب في محاربة الخطأ، وهذا الرجل ارتكب خطأ وجريمة كبيرة في حق الهندوس والهندوسية، ووقف إلى جانب المسلمين ومصالحهم على حساب مصالح الهندوس ومكتسباتهم”، فغاندي ضحية لمواقفه المبدئية.
حاجة عالم اليوم للسلام والتعايش
وزاد قوله: “أشرت في نهاية الكتاب إلى أن غاندي، رغم أنه قتل بثلاث رصاصات في صدره مباشرة، لكن مبادئه لم تمت، بل هي باقية إلى الآن، والعالم اليوم في حاجة إليها أكثر من ذلك الوقت الذي أطلقها فيه”؛ لأننا نعيش في عالم بأمس الحاجة إلى السلم والمحبة والتعايش، وفي الوقت ذاته، فإن قاتله “ناتورام غودسي” حكم عليه بالإعدام شنقًا ولم ينته مثله، فأمثاله كثيرون يقتلون الناس ويعتقدون أنهم يؤدون واجبهم حسب أوامر الله ويهتفون الله أكبر، فيقتلون الأبرياء، والمشنقة لم تخلص العالم من ناس أشرار يقتلون باسم الإله وباسم الرب ويستغلون الدين لأهداف خبيثة.