+A
A-

محارب السرطان عباس محمد: تمسكوا بشعلة الأمل

الأمل، اليأس، الحلم.. مرادفات كان لها الحيز الأكبر في تشكيل رؤيته للحياة، فالأمل كان يقوده لمكافحة يأسه من النجاة من “السرطان”، والوجع الذي أنهك جسده كان يشير إلى خلاص معاناته بالدواء، والواقع المر الذي عايشه طيلة فترة العلاج لم يتغلب عليه إلا بحلم إتمام دراسة الطب، فحالته الضبابية أظلمت عينيه في أشد حالات وهنه، وملامح الشفاء من المرض أضاءت مستقبله إثر بيانها. هو عباس محمد (24 عاما)، شاب بحريني تخرج أخيرا بسلام من جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، تخصص طب أسنان بعد رحلة شاقة حارب فيها المرض وانتصر عليه.

نبأ الإصابة

أحدث نبأ إصابة عباس بالسرطان في 13 من نوفمبر العام 2014، وقع الصاعقة عليه معنويا فهو آنذاك كان في عامه الدراسي الثالث، إذ قال “استقبلت هذا الخبر بحزن كبير، خصوصا أني كنت في منتصف دراستي الجامعية، وأتطلع للتخرج، وشعرت بأنها نهاية العالم بالنسبة لي، لكني تذكرت أن زميلا لي من أيام الثانوية قد تعافى من المرض، عندها أخبرت أمي بجهوزيتي لبدء العلاج”.

العلاج والدراسة

استأنف عباس رحلته العلاجية بالخضوع لـ 8 جرعات كيميائية على مدار 7 أشهر، وحرم إثر ذلك من عامه الدراسي بعد أن تأجل لمتاعب صحية ألمت به، وبرغم هذا كان شغله الشاغل عدم تأخير تخرجه “فقد كان كل همي وتفكيري ينصب في خشيتي من عدم اللحاق بركب المتخرجين، إذ كنت مجبرا إما على إكمال الدراسة أو العودة إلى البحرين لتغيير التخصص”.

وواجه فترات يأس صعبة تخطاها بشجاعة الموقن بحتمية الشفاء، إذ واصل دراسته الجامعية في مصر، في ظل العودة كل شهر إلى البحرين لتلقي إبرة كيماوية في مستشفى السلمانية الطبي في إطار برنامج علاجي لمدة عامين، وهذا ما جعله يتغيب عن المحاضرات والاختبارات “لكني كنت أحمّل نفسي طاقة تفوق طاقتي، وأتحدى نفسي؛ لأثبت أن كوني عليلا جسديًا لا يعني أبدا أني عليل فكريًا، فمن المحال أن أتوقف عن الكفاح”.

تسهيلات

قدمت لعباس تسهيلات كثيرة من قبل وكيلة الأسنان في جامعته بمصر هالة المنوفي، التي تعاطفت معه، وشجعته على المضي قدما في العلاج، كما أعادت إدارة الجامعة مصاريف الفصل الدراسي الذي انسحب منه اضطراريا فور علمها بمرضه، أما بالنسبة لزملائه فيقول عباس “كانوا يخبرونني بالأمور الدراسية التي تفوتني، لكني كنت مجبرا على الحضور الشخصي لتسليم المشاريع”.

يقين

لطالما كان مؤمنا بالشفاء، ففي ذروة توجعه نتيجة الجرعات الكيميائية كان قلبه يهمس له بأن قاوم “فالله لم يضعني في اختبار إلا وقد أودع فيني القدرة على تجاوزه، فثقتي بالله وبنفسي، ودعم أبي وخالتي رحمها الله، وأمي التي لم تفارقني للحظة واحدة كان بمثابة سراج أمل يدفعني للمقاومة”.

عام التخرج

في عامه الدراسي الخامس، حيث كان يستعد للتخرج، اكتشف الأطباء ورما جديدا مستقرا لديه في ذات الموقع السرطاني القديم، فقرروا استئصاله ليعرفوا ما إن كان حميدا أو خبيثا، وتم تحديد تاريخ العملية الصعبة في بداية العام” لكني قررت في آخر يوم من تسجيل مقررات الجامعة، أن أتحدى نفسي، وأكمل الدراسة رغم أن الألم المبرح لازمني قرابة شهرين من إجراء العملية، وتأخرت شهرا كاملا عن الدراسة، وفوت العديد من الامتحانات، لكن ما جعلني أواسي نفسي هو إدراكي لمدى القوة التي جعلتني أتخطى مرحلة الكيماوي، فلا شيء يمكن أن يوقفني، والحمد لله تخرجت في يونيو 2018 بسلام”.

ولع آخر

إلى جانب شغفه بطب الأسنان، يعتبر عباس نفسه مولعا أيضا بالرياضات، خصوصا رياضة كرة السلة التي كان يمارسها في النادي الأهلي “أما الآن فأنا أمارسها كمجرد هواية”.

طموحات

يطمح عباس للتخصص بعد أن تبقى له اجتياز عام امتياز خارج البحرين، وتقديم امتحان مزاولة المهنة، كما يأمل أن يتمكن من تغيير مفاهيم كثيرة سائدة في البحرين متعلقة بطب الأسنان “فأنا أرى أناس كثر يتجهون إلى الإمارات أو الكويت للعلاج التجميلي، وأريد تحقيق هذه الإنجازات والإمكانات مستقبلا في بلدي”.

محارب

يوصي عباس مصابي السرطان بأن لا يفقدوا الأمل، فلولاه لن يكسبوا القوة لمجابهة وتحدي هذا المرض القاتل “فمثلما كنت مريضا، والآن أروي حكاية كفاحي، أوصيهم بالتمسك بشعلة الأمل، وأن يكونوا مصدر إلهام لأنفسهم بالمقام الأول ثم لغيرهم”.