+A
A-

الناشط الإغاثي خالد البلوشي لـ“البلاد”: ما رأيته في مخيمات اللاجئين صادم

كشف الناشط في العمل الإغاثي خالد البلوشي أن “العمل الإنساني يجعلك تشعر بألم الطفل الجائع، والمرأة المكلومة، والرجل المقهور؛ لذا لا يمكن أن تمر أي كارثة إنسانية بأي بقعة كانت، إلا واستذكرت بقرارة نفسي المشاهدات السابقة، والتي تتشابه بحالاتها، وتختلف بمواقعها”.

وقال البلوشي خلال لقاء أجرته معه “البلاد” عن تجربته الخصبة في المجالين الإغاثي والخيري خارج الحدود: “أجد راحة نفسية بالغة حينما أكون بين هؤلاء المكلومين؛ لتخفيف وطأ المعاناة عنهم، وإيصال المساعدات من أهل الخير في البحرين لهم”.

وبين أن “العمل التطوعي بشكل عام، والإغاثي بشكل خاص، بهما كثير من المشقة الجسدية، والتعب الفكري، لكن يجب على كل من أخذ على عاتقه هذه الأعمال أن يتذكر عظم الأجر، والنتيجة معاً”.

- كيف كانت بداياتك في العمل الإغاثي؟

البداية كانت بمرحلة دراستي الابتدائية، بداخل المنزل نفسه، حيث كانت تحرضنا الوالدة أنا وشقيقي الأكبر علي بالسعي في عمل الخير، ومساعدة الآخرين، فكان ذلك، إذ كنت ملازماً له في المشاريع الخيرية التي يقوم بها صندوق الرفاع الخيري، من توزيع المواد الغذائية على الأسر المحتاجة، ومشاريع شهر رمضان، والأضاحي، واستمريت على ذلك لقرابة عشرين عاما، حتى العام 2011 تحديداً.

بعدها، غيرت مساري من العمل الخيري داخل البحرين، إلى الإغاثي خارج الحدود، وبرسالة أؤمن من خلالها بأن مساعدة المحتاجين لا حدود لها، ولون، مع إبقاء مساعي العمل الخيري داخل البحرين حتى اللحظة.

- ما الذي شجعك على الاستمرار يا خالد؟

ابتغاء الأجر من الله سبحانه وتعالى أولاً، ناهيك بأنه أصبح التزاما لا يفارقني، محوره مسؤولية الاهتمام بالآخرين من محتاجين وجياع وغيرهم، وبمسؤولية إنسانية لا أستطيع أن أتنازل عنها، مهما كانت مرهقة، ومجهدة، ومكلفة.

وعليه، لم أتردد في تلبية دعوة الشيخ عبدالحليم مراد، والشيخ فيصل الغرير العام 2011 في مرافقتهما لإيصال مساعدات شعب البحرين، للاجئين السوريين بمخيمات الأردن، عن طريق جمعية التربية الإسلامية.

- هل العمل الإغاثي ثقافة سائدة وموجودة؟ كيف؟

المجتمع البحريني من المجتمعات المتطورة بالتكافل الاجتماعي، وفي داخل كل فرد، استعداد حقيقي للعمل التطوعي أي كان شكله، وخير دليل أن البحرين سباقة في تأسيس مؤسسات المجتمع المدني، والتي أوجدها العمل التطوعي.

  - ماذا تجد بنفسك حين تكون بين المكلومين والموجوعين والجياع؟

العمل الإنساني يجعلك تشعر بألم الطفل الجائع، والمرأة المكلومة، والرجل المقهور؛ لذا لا يمكن أن تمر أي كارثة إنسانية بأي بقعة كانت، إلا واستذكرت بقرارة نفسي المشاهدات السابقة، والتي تتشابه بحالاتها، وتختلف بمواقعها.

أجد بواقع الأمر، راحة نفسية بالغة حينما أكون بين هؤلاء المكلومين؛ لتخفيف وطأ المعاناة عنهم، وإيصال المساعدات من أهل الخير في البحرين لهم.

- هل هنالك حادثة بعينها، أوجدت التغيير في خالد البلوشي؟

حوادث كثيرة، منها موقف لأم سورية على الحدود السورية اللبنانية، حيث قالت لي: منذ أن جاء الشتاء، ونحن ننتظر قدومكم، حتى نشعر بالأمان، والدفء. ولقد حملتني هذه الكلمات مسؤولية أكبر تجاه المكلومين، وأوجدت بنفسي صدا كبيرا.

وأتأثر كثيراً حين أدخل مجمع البحرين السكني للأيتام في الأردن، وأرى تهافت الأطفال للسلام علينا، بصورة أقرب لاستقبال آبائهم، الأمر الذي يولد العزيمة في الاستمرار في هذا النهج، والعمل.

- موقف آخر لا يزال محفورا بذاكرتك؟

عند افتتاح مجمع البحرين السكني للأيتام العام 2015، حدثتني إحدى الأمهات السوريات يومها قائلة: هذه الليلة أستطيع أن أنام، وأنا مرتاحة البال، بعد أن وجدت المكان الآمن لبناتي، حيث إنني لم أنم منذ سنوات؛ لأنني أعيش وسط الخيام، حيث لا أمن بها، ولا أمان.

- يلاحظ نجاحك بتسخير وسائل التواصل الاجتماعي لنقل رسالتك الإنسانية للبحرين والعالم، كيف تفسر هذه التجربة؟

اهتممت بأن أسخر كل حساباتي بمواقع التواصل الاجتماعي لنقل معاناة الشعوب وأوجاعهم لسببين، الأول لأمانة الرسالة الإعلامية، والتي تحتم عليَّ ذلك، وثانيا لسرعة وصول الرسالة بأشكال مختلفة، لأكبر شريحة من الناس بوقت قياسي، وبتأثير عال.

ولقد حزت بتوفيق من الله عز وجل، ثقة المحسنين، لنجاحي بتوثيق إيصال المساعدات إلى مستحقيها، ونقل مشاعر اللاجئين، وفرحتهم بهذه المساعدات، مما أثر بشكل عميق بتفاعل أهل الخير بدعم مشاريع الخير هناك.

- كيف تراك ابنتك مريم حين تكون بين اللاجئين، بعيدا عنها؟

رغم صغر عمر مريم، لكني أؤمن بأنها ستفتخر بهذا العمل بيوم ما، وستواصل المسيرة العمل التطوعي.

بعد أن رزقت بها، بت أرى أطفال العالم بها، وأصبح تعلقي بمشاريع مساعدات الأطفال، بشتى أنحاء العالم، أكثر من ذي قبل، و(أم مريم) خير عون لي في هذا العمل، بتشجيعها لي، وصبرها ومصابرتها على سفري المتكرر، انشغالي الدائم بالعملين الإغاثي والخيري.

- أين تكمن متعة ولذة العمل الإغاثي خارج الحدود الوطنية؟

عندما تمسح دمعة أم، وترسم ابتسامة طفل، وتريح قلب أب، تتولد بداخلي فرحة لا تتكرر، ولا توصف، فلكها تخفيف معاناة هؤلاء الناس، ومساعدتهم للوقوف على أقدامهم، والاستمرار بالحياة.

- ما الرسالة التي تحملها من خلال شدك الرحال في بقاع الأرض المختلفة؟

إن العمل التطوعي بشكل عام، والإغاثي بشكل خاص، بهما الكثير من المشقة الجسدية، والتعب الفكري، لكن يجب على كل من أخذ على عاتقه هذه الأعمال أن يتذكر عظم الأجر، والنتيجة معاً.

- ماذا رأيت في مخيمات اللاجئين بالأردن؟

رأيت ما لا يتوقعه أحد من حجم الكارثة التي تعصف بأجساد اللاجئين كبارا وصغارا، فغاب الأمن والأمان عنهم، وسبل العيش، والبيئة الملائمة لحياة طبيعية، لذلك، حرصنا في إقامة مجمع البحرين السكني للأيتام، ليكون الملاذ الآمن للأيتام، ولأمهاتهم، حماية لأجسادهم، وأفكارهم.

- هل يقتصر العمل الإغاثي على نقل المؤن والأدوية والملابس؟ كيف؟

لكل مرض دواء، كخطوة أولى للعلاج، لكن لابد من العلاج الجذري للمرض، وهو ما ينطبق على العمل الإغاثي، فنقل الملابس والأدوية والأغذية وغيرها، من الأمور المهمة للاجئين، لكن لابد من وجود مشاريع تنموية، تكون حاضنة لهم، وناقله لظروفهم لأوضاع أفضل، منها مشروع البحرين السكني للأيتام.

- ما مشروع مجمع البحرين السكني للأيتام؟

عبارة عن مجمع سكني للأيتام والأرامل، يقدم الرعاية للأيتام كافة من مأكل، ومشرب، وتعليم، وتربية، وتحفيظ القرآن الكريم، إضافة للبرامج الخاصة للأمهات، من تعليم الخياطة، والزراعة، ودورات متخصصة بمختلف المجالات المهنية، كما يتم توفير البرامج الترفيهية لهم.

- من وحي تجربتك، هل نجحت المرأة البحرينية بأن تضع بصمة في هذا الحقل؟

وراء كل رجل أم غرست بداخله العمل الخيري، وزوجة ساندته، وشجعته على ذلك، وأسرة احتضنت هؤلاء الرجال، وللمرأة البحرينية بصمات واضحة داخل البحرين، بتأسيس مؤسسات المجتمع المدني، التي تهتم بالأسر المحتاجة.

كما أن هنالك أمهات وأخوات نفتخر بهم، عبروا الحدود؛ لتخفيف معاناة الفقراء والمحتاجين، بشتى بقاع الأرض، ولا يسع المقام لذكر أسمائهم.

- ما الذي تفعله في أوقات فراغك حين تكون في مخيمات اللاجئين أو بالأماكن المنكوبة؟

لا يوجد فراغ بهذا المكان، بل إن الوقت لا يتسع لإدخال الفرحة على جميع من هم هناك.

- هل لديك فكرة بأن تعد كتاباً توثيقياً تسرد من خلاله ما رأيت؟

هنالك أفكار، لكن الوقت لم يحن بعد.

- برأيك، هل يهتم الإعلام المحلي في تسليط الضوء على هذه التجارب؟ لماذا؟

هناك تعاون ومبادرات من الإخوة بتلفزيون البحرين، في إعداد التقارير التي تنقل مساهمات أهل البحرين بتخفيف معاناة الآخرين، وكذلك الصحف المحلية، ولعل هذا اللقاء بهذه الجريدة الغراء، هو دعم واهتمام في دعم العمل الاغاثي والخيري.

- كلمة أخيرة.

أدعو لكل من لديه القدرة على تخفيف معاناة الآخرين، أيا كان موقعهم في الداخل والخارج ألا يتردد بذلك، وألا ينحصر العمل الإغاثي بتقديم التبرعات والمساعدات فقط، بل توظيف كل الأدوات المتاحة؛ لخدمة هذه المساعي، والترويج لها.