العدد 6002
الجمعة 21 مارس 2025
القيادة على الطريقة اليابانية (2)
الجمعة 21 مارس 2025

 يؤكد عالم الإدارة الأميركي المعروف “بيتر فردناند دراكر”، والذي لا يزال يُعتبر بوصلة فكرية لكثير من المديرين التنفيذيين في العالم، بأن العناصر الثلاثة “العمل” و”المسؤولية” و”الثقة” هي جوهر القيادة، فهو يتحدث عن سمات القيادة وصفات القائد في كتابه على النحو التالي: “القيادة توصف بأنها نوع من العمل الذي يجب القيام به بمسؤولية، وهي ليست نتاج الطبيعة الفطرية أو المكانة أو الامتياز للشخص القيادي”.
وعلى هذا النحو ومن خلال الأخذ بدفة القيادة، مع وضع هذا التعريف في الاعتبار، تستطيع أن تكتسب ثقة العديد من الأشخاص وتصبح قائدًا جذابًا حتى لخصومك، وعلى الجانب الآخر يمكننا من خلال قراءة التاريخ التعرف على مفهوم القائد الجذاب وفق الرؤية اليابانية، فالحقيقة القائمة هي أن التاريخ الياباني زخر بكثير من الشخصيات القيادية البارزة عبر تاريخه الطويل، فكانت شخصية القائد المنقذ للوطن، وأعني بالوطن هنا اليابان، الذي يظهر في كثير من الأعمال الروائية للأديب الياباني المعروف شيبا ريو تارو؛ مثل شخصية ساكاموتو ريوما من رواية “ريوما جا يوكو” وشخصية الإخوة أكيياما من رواية” الغيوم على التل”، وغيرها من الشخصيات القيادية المميزة في العديد من مجالات ريادة الأعمال والاقتصاد والسياسة المعروفة على مر التاريخ الياباني. وهنا نتوقف عند ثلاثة عناصر مشتركة نجدها مجتمعة في شخصية القائد الياباني المميز، والتي مازال المجتمع يفتخر بها ويحترمها، وهي “المسؤولية” و”الثقة” و”القدرة على الوئام والانسجام مع الآخر”.
فالثقافة اليابانية المتمثلة في العقلية اليابانية القادرة على التكيف مع الآخر ترتكز على سمة مهمة هي القدرة على الوئام والانسجام مع الآخر والبعد قدر الإمكان عن إحداث التصادم بين أفراد المجتمع على اختلاف الرؤى والتوجهات، مع الحفاظ على خاصية العمل الجماعي بشكل جيد، بالإضافة أيضًا إلى الحفاظ على العلاقات الإنسانية الدافئة. ربما لهذا السبب، يُجيد اليابانيون العبارات الغامضة ذات المضمون الخفي، فيتحدثون بأسلوب يعتمد على الظاهر والباطن للسبب المعلن والنية الحقيقية.
من ناحية أخرى، فإن إحدى خصائص منظومة العمل اليابانية هي أنها يمكن أن تعمل بشكل جيد دون قادة أقوياء، وذلك بفضل قيادة القائد الوسيط وحكمته الذي ينسق المجال، إذ تعتمد آلية العمل بالمنظومة اليابانية على نوع من آليات الاتحاد أو التشابك الفكري بين القائد الأعلى وقائد طبقة المنظومة الوسطى، ويتم من خلال الإجماع والتوافق المتبادل على المبدأ أو الفكرة بين القيادة العليا والقيادة الوسطى للمنظومة وتحديد الاتجاه العام والأدوار الفردية لأعضاء المنظومة بأكملها، وحتى في أوقات الأزمات، مثل التي مررنا بها أثناء جائحة فيروس كورونا، فحين يكون العالم مشتعلًا، يمكنك أن تشاهد كثيرًا من المواقف التي تتجلى بها هذه الآلية والقوانين الخاصة بها. فعلى سبيل المثال، وجدنا حينذاك كيف استجابت المحليات وغيرها من قادة المواقع الوسيطة لمعايير الفحص الطبي التي وضعتها وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية بوضعها إجراءات للحد من انتشار العدوى التي جعلت إجراء الفحص المعملي للكشف عن العدوى مقتصرة فقط على ما يعرف بالأشخاص العائدين من خارج اليابان وأصحاب الاشتباهات مع المصابين.
لكن في الوقت نفسه وجدنا أيضًا ما قام به المسؤولون أو قادة الأجهزة المحلية من تحركات من أجل الاستجابة لأصوات المواطنين والعاملين بالمواقع الميدانية في محاولة لتحقيق التوافق والانسجام بين قرار المسؤول أو القائد الأعلى وبين الاحتياجات الفعلية للميدان.

أستاذ الدراسات اليابانية والترجمة بجامعة طوكاي اليابانية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية