بات من المؤكد أن العالم الذي وصل فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، أي إلى أعلى قمة سياسية واقتصادية فيه، لن يبقى كما هو بعد رحيله عن البيت الأبيض، وليس من المعروف أو الممكن تقدير ما يمكن أن يفعل وكيف ستكون الصورة بعده.
تتنازع الرئيس الأميركي الحالي نزعتان متناقضتان ومتواجهتان. النزعة الأولى، نزعة الانعزالية، بطرحه بصوت عال شعار “أميركا العظيمة أولا”، ومن أجل تحقيق هذا الشعار والهدف يتحضر ترامب لفرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية الداخلة إلى بلاده، ومنها السيارات وغيرها من السلع. بطبيعة الحال، هكذا إجراءات في حال حدثت هي خطوات ضد الرأسمالية المنتشرة عالميا، ومناقضة لمبدأ العولمة والانفتاح، في عالم رأسمالي كبير ومتشعب، وفي اقتصاد عالمي حديث تشاركي، هو في الأساس يتجاوز فكرة الانعزالية والانغلاق؛ لذلك هو يسير عكس التاريخ، وبشكل معاكس لتطور الأمور، ما يفسح المجال للدول الأخرى بالرد بإجراءات مماثلة، فإذا فرضت أميركا رسوما جمركية على السلع الأوروبية فإن أوروبا سترد بالمثل. بمعنى آخر، ذلك قد يؤدي إلى حرب تجارية بين القارات والتجمعات الاقتصادية، وكل مجموعة اقتصادية ستقفل على نفسها، وسط نمو النزعات الوطنية والقومية الحمائية.
في مقابل هذه النزعة الانكماشية الانعزالية، يطلق ترامب موجة مناقضة للأولى، تقارب التوسع بأسلوب متوحش ومستغرب. فالرئيس الأميركي، إضافة إلى رغبته في فرض الرسوم الجمركية على الآخرين، يرغب في توسيع وتكبير حجم أراضي بلاده، بضم كندا والسيطرة على بانما، وفي الوقت عينه يتحدث عن الاستيلاء على قطاع غزة، وهو قال بالحرف سأستولي عليه وأعطي دولا أخرى نصيبا منه! بعد أن أحوله إلى نموذج الريفييرا في المنطقة!
غريب أمر هذا الرئيس، في كل الاتجاهات، فهو من جهة يقفل على نفسه بفرض رسوم جمركية حمائية ستدفع الدول الأخرى إلى التعامل بالمثل، ومن جهة أخرى يندفع إلى التوسع في السيطرة والهيمنة على الآخرين.
أي عالم سيترك ترامب في إجراءاته المتناقضة والمتضاربة؟
المؤكد أنه سينشر الفوضى في العالم، الذي بات من دون يقين ومن دون أن يعرف إلى أين يذهب، وفي الوقت عينه قد يترك الولايات المتحدة في أزمة كبرى غير مسبوقة.
في العادة تجارب التاريخ دلت على أن قيادة مثل القيادة الأميركية الحالية، لدول مهمة، لم تمض من دون انقلابات كبيرة وتحولات دراماتيكية كالتي عاشها العالم بداية القرن العشرين في أوروبا ومحيطها، والتفاصيل معروفة في التاريخ.
كاتب وأستاذ جامعي من لبنان