في أيِّ مرحلةٍ من مراحل التاريخ لم تنقطع صِلات البحرين بعُمَان. عندما كانت هنا دلمون، كان لدى العُمانيين مَجَان. وقد ارتبطت هاتان الحضارتان بعلاقات قوية. وكان النحاس يُستورَد من مَجَان إلى أُوْر (جنوب العراق) عبر دلمون. وفي عصور لاحقة، وتحديدًا عندما جاءت حقبة الإسلام صَيَّرَ بنو العباس ”عُمَان والبحرين واليمامَة عملاً واحدًا“ كما يقول الحموي في معجم البلدان. وفي نهاية العصور الوسطى كان للبحرين علاقات داعمة للأئمة الإباضيين في عُمَان.
وفي العصور المتأخرة، قبل وبعد خروج البرتغاليين من الخليج العربي، استمرت صِلات البحرين بعُمَان بأشكال مختلفة، مرة برافعة السياسة، وأخرى بالاقتصاد، وبين هذه وتلك حديث طويل. واستمرت هذه العلاقة لغاية الآن. هذه المسيرة الممتدة من التواصل خَلَقَت أواصر ثقافية واجتماعية ضاربة في العمق. ولو تتبَّع أحد أنساب البحرينيين والعُمانيين لوجد تقلبها في أصلاب أجدادهم. ومثل هذا “التقلب” لهو عامل مهم في تشكيل هُوِيَّة ثقافية واجتماعية معقدة ومستدامة بين الشعوب، تظهر عندما تبدأ أدوات البحث عملها في التنقيب.
وقد أثبتت الدراسات العلمية، أن المشهد الاجتماعي عادة ما يتغير داخل الدول ذات العلاقات الممتدة بسبب حياة الناس اليومية وتعاملاتهم البينية. فمن خلال التبادلات المجتمعية التي تفرضها الهجرات لدواعي العمل، ثم بالإقامات الطويلة، فالمصاهرات والدماء المتداخلة مع مواطني البلد الآخر، تزداد الروابط الاجتماعية، وتتأثر الثقافات بأشكالها كافة، وتتعدد المصالح المشتركة. هذا بالتحديد هو مشهد العلاقات البحرينية العُمانية اليوم، والذي يُؤسس بشكل طبيعي لعلاقات سياسية واقتصادية قوية.
إن الوثائق الموجودة في الأرشيف المحلي والأجنبي مليئة بصور تلك العلاقة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية بين العُمانيين والبحرينيين، من زيجات، وقريض الشعر، وتبادلات تجارية، وعلاقات نظامية، كلها تعكس العلاقة القائمة بين الشعبين والحكومتين في المنامة ومسقط. وخلال البحث، يقف المرء على مجموعة كبيرة من تلك الوثائق التي تضم أرقامًا وأسماءً وحوادث وإشارات تستحق أن تكون بين دفَّتَيْ كتاب. فهي وديعة ثمينة تنفع الأجيال في البلدين والمنطقة عمومًا، وتُعرِّفهم بأحوالهم ووشائجهم المشتركة، والتي نمشي على أوتارها نحن اليوم، مستفيدين من صلابة ما جَمَع الأولين من وشائج.
أما غير الوثائق والقراطيس، وأعني به التاريخ الشفوي المحفوظ في صدور البحرينيين والعُمانيين، فهو لا يقل أهمية عن الورق، وهو يستحق أن يخرج للناس كي يقرأوه ويسمعوه. فكل التاريخ كان في البداية شفهيًّا كما قيل. واليوم على سبيل المثال يوجد في متحف الحرب بنيو أورلينز في ولاية لويزيانا 7000 تاريخ شفهي. ويوجد في الولايات المتحدة الأميركية ما يزيد عن 60 جهة وجامعة لديها مؤسسات تعمل في تدوين التاريخ الشفوي. فهذا النوع من التاريخ هو أقدم أنواع البحث التاريخي، إذ إنه سابق على تدوين الكلمة المكتوبة.
وقد قطع الأخوة العُمانيون فيه شوطًا مهمًا، حين بدأت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في مسقط، مشروعًا واعدًا في ذلك؛ لحفظ ما تقول إنه ”إرث ومخزون علمي وثقافي واجتماعي وسياسي واقتصادي وفكري وأدبي تختزنه الذاكرة العُمانية”. ومنذ العام 2015م قامت الهيئة بتكريم الدفعة الأولى من رواة التاريخ الشفوي، الذين شاركوا بتسجيل رواياتهم من خلال المقابلات الشخصية التي أجراها فريق عمل الهيئة، الذي في الحقيقة ظفر بكنز لا يقدر بثمن.
في المحصلة، ما يجمع البحرين وعُمَان هو كل تلك القصاصات والصور أو ما تحفظه الذاكرة البشرية بشأنها، وهي تعكس تاريخًا ممتدًا، وصداقة بلا حد.