في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يتوغّل العدو الصهيوني في إبادة قطاع غزة والتنكيل بسكان الشمال ودحرهم عنوة لترك ديارهم المدمّرة وأشلاء شهدائهم المبعثرة بين الأنقاض، وها هي أجساد شباب فلسطين الأبطال تتبخّر بالقنابل الدخانية في مخيم جباليا، وبيت لاهيا يستصرخ العالم وما من مجيب، وها هي الصهيونية تكتب بسلاح أميركي ودعم غربي أبشع أسطر الحروب على مرّ التاريخ.
صحيح أنّ البشرية مرّت بحروب إبادة جماعية ودمار عظيم خلدته بعض القصائد أو الروايات التاريخية عن التتار والمغول وغيرهم، وصحيح أيضًا أنّ مطلع القرن العشرين شهد حروبَ إبادة وجرائم ضد الإنسانية كما لم يحدث من قبل ذهب ضحيّتها ملايين، كما في الحرب العالمية الثانية، وكذا صحيح أيضًا ما خلّفه الاقتتال الطائفي هنا وهناك في مناطق مختلفة من العالم من قتل وتشريد.. غير أنّ توثيق تلك الجرائم ضد الإنسانية لم يكن بالشكل الذي نراه اليوم في غزة. فمن منكم لم يشاهد اليوم المشهد الصادم حين تعرض شاب فلسطيني في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة لإصابة خطيرة في رأسه جراء استهدافه بقنبلة دخانية ألقاها جنود الاحتلال عليه مباشرة؟ أليست هذه من أبشع صور الحروب وحشية ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي بسلاح أميركي ومباركة غربية وشرقية وصمت رهيب؟ إنّ الصورة في هذا الباب أبلغ من الكلمة، وما يصل إلى العالم عبر وسائل الإعلام يؤكد كل يوم أنّ الكيان يتفنّن في اختيار الأساليب الأشدّ وحشيةً لقتل الفلسطينيين في قطاع غزة.
إنها أشكال جديدة وأساليب غير مسبوقة في التاريخ؛ إذْ الموت بقنبلة تخترق الجسد وتنفجر داخله دليل على مدى البشاعة واللامبالاة بالحياة الإنسانية في غزة.
لاشك أنّ هذه البشاعة في الحرب على الأبرياء العزّل في الخيام، الرافضين ترك ديارهم قسرًا، المتمسّكين بحقهم التاريخي في أرضهم، هذه البشاعة أدّت إلى تراجع شديد في مصداقية هذا الكيان لدى داعميه، بل ربما خلقت صورة نمطية جديدة تربط بين الصهيونية والقمع والإمبريالية، ولاسيما لدى المنظمات الحقوقية وطلبة الجامعات وعامة الناس في البلدان الغربية.
لكن تبقى الحرب بشعة مهما تقلصت خسائرها، وبشعة مهما كانت حججها، وبعض هذه الحروب نسيناه لفقدان الوثائق والأدلة عليه، وبعضها لا يزال يؤثر فينا كما الأفلام الوثائقية عن الحرب العالمية الأولى والثانية.. أمّا ما نراه اليوم في غزة فهو من أبشع الحروب على الإطلاق، وسيبقى شاهدًا أبدًا على بؤس العالم الذي نعيش فيه وتهاونه مع الحق الفلسطيني.