مباراة كلاسيكو الأرض لكرة القدم تنتظرها الشعوب كل سنة بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة، حيث تحظى هذه المباراة بالكثير من الأهمية والأضواء، ليس محليا فقط، بل عالميا أيضا، كونها تجمع أفضل فريقين يقدمان المتعة الكروية بفضل مهارات وأداء النجوم الذين يضمهم الغريمان، والانتخابات الأميركية كذلك تقام كل أربع سنوات وليس كل سنة، لكن يتابعها وينتظرها ملايين من مختلف الدول لمعرفة من هو الحزب الفائز أو الرئيس الذي سيتربع على كرسي الرئاسة الأميركية لمدة أربع سنوات.
فكلاسيكو الأرض حديث العالم، وكذلك تُعد الانتخابات الأميركية من أبرز الفعاليات السياسية التي تثير اهتمام العالم من الشرق إلى الغرب، لما لها من انعكاس ليس فقط على مواطني الولايات المتحدة من النواحي كافة، بل أيضا تأثيرها على الخارج في العديد من المجالات. فهذا المشهد يتكرر وله متابعوه رياضيا في إسبانيا والعالم، والآخر سياسيا في أميركا وكل القارات الخمس، وكما أن هناك طقوسا وحملات ودعاية لكلاسيكو الأرض العالمي، فالمجتمع الأميركي له طقوس في المشهد الانتخابي من خلال مهرجانات الخطابة والمناظرات الثنائية بين المتنافسين، والحملات الإعلامية التي تكلف كل حزب ملايين الدولارات، ما يجعل المال أحد العناصر الحاسمة فيها، وهي طقوس أكثر إثارة ومتعة مثل كلاسيكو الأرض. إلا أن كلاسيكو الأرض السياسي يلقي ظلاله الكثيفة على الحياة السياسية والاقتصادية في مختلف دول العالم.
ويكون له تأثير عميق على الأحداث في المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام من خلال الملفات الخارجية التي أصبح للولايات المتحدة الأميركية اليد الطولى فيها نتيجة انشغال روسيا بحرب أوكرانيا، يضاف إلى هذا السياق الصراع الصامت بين واشنطن وبكين في المجال التجاري والاقتصادي وغيرها من الأمور الجيوسياسية.
وفي الخامس من نوفمبر انتهت الانتخابات بين المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس التي سعت لتكون أول امرأة تتولى الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، لكن دونالد ترامب وبالضربة القاضية عاد للبيت الأبيض الأميركي محققا نصرا تاريخيا وفوزا كاسحا سياسيا وديمقراطيا، وقال الشعب الأميركي كلمته، ضد سياسة الحزب الديمقراطي ورئيسه بايدن ونائبته هاريس.
ورغم التنافس بشراسة بين ترامب وهاريس على أصوات الناخبين في الأيام الماضية، إلا أن النتائج مالت للشخص الأكثر واقعية في أطروحاته وتصريحاته وصراحته، وبعد أن غير استراتيجيته في التعامل مع الإعلام والناخبين قبل اليوم الانتخابي المصيري الذي جاءت نتائجه مفاجئة لكثير من المحللين الذين كانوا يميلون لكفة هاريس.
وبعد معرفة الفائز بالانتخابات الأميركية، فإننا نتطلع أن يعم السلام في الشرق الأوسط والعالم، وأن تكون هناك صياغة جديدة للمستقبل والأمم المتحدة، وأن ينعم العالم بالأمن والرخاء، وأن ينفذ الرئيس العائد للبيت الأبيض بقوة هذه المرة وعوده الانتخابية.
وقد لعبت الأزمة الاقتصادية دورا كبيرا في نتائج الانتخابات هذا العام، وكذلك الحرب في فلسطين ولبنان، لذا نحن مع تغييرات قادمة وعالم جديد مختلف عن فترة بايدن، فأوروبا نجدها منشغلة بأمورها الداخلية، والصين والروس ومجموعة “بريكس” مشغولة بإعادة تشكيل نظام عالمي جديد بعيدا عن الدولار والحروب، مع تقدم وشيخوخة النظام القديم ودخوله دائرة الاحتضار نتيجة سياسية بايدن ودعمه القوي لنتنياهو وإسرائيل، فغزة عرت النظام الأممي والحزب الديمقراطي.
لذا جاءت انتخابات الخامس من نوفمبر بنتائج مألوفة لدى جموع الناخبين، وليس بمفاجآت كما توقعها الآخرون، وفي شهر يناير القادم سيتم تنصيب الرئيس دونالد ترامب كرقم 50 للولايات المتحدة الأميركية، مع أن الأمر لا يتعلق بمقام الرئاسة فحسب، بل يمتد لفوزه الكاسح كحزب جمهوري (الفيل) بالأكثرية والسيطرة أيضا على مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب).
أهميّة الانتخابات الأميركية واختيار الرئيس ومتابعتها تأتي لأنها الشرطي الدولي بامتياز حاليا، وصاحبة القرار في كل المواجهات والتحديات في العالم، والرئيس الجديد ترامب سيصبح رئيسا مطلقا في قراراته، وحكومته القادمة ستكون حديث الساعة عربيا ودوليا، لذا من المتوقع والمهم رؤية أميركا تتعامل مع الآخرين بنزاهة وحكمة، وأن يعم العالم الأمن والاستقرار. قبل أن تتحول الكرة الأرضية لصراعات دموية وحروب اقتصادية.. فكلاسيكو الكرة تسوده الروح الرياضية رغم الضربة القوية من برشلونة ضد الريال، وكلاسيكو السياسة أعاد ترامب بقوة للواجهة كأول رئيس أميركي يحقق هذا الانتصار الكاسح في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، والعالم ينتظر منه الكثير من الوضوح في العديد من الملفات المهمة التي تحتاج لرؤية مختلفة عن سياسة الحزب الديمقراطي (الحمار)، خصوصا تنفيذ الوعود الانتخابية في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، خاصة وقف الحرب في غزة ولبنان، وهذا ما أكدته نتائج القمة العربية الإسلامية في الرياض.. والله من وراء القصد.
كاتب ومحلل سياسي عماني