العدد 5864
الأحد 03 نوفمبر 2024
banner
“فراغات الصمت” في ميزان العقلية اليابانية
الأحد 03 نوفمبر 2024

هل يمكن أن يصبح “الصمت أو السكوت” سمة من سمات الشعوب؟ قد تجد هذا السؤال يطرح نفسه عليك خاصة إذا كنت من المتعاملين مع الشخصية اليابانية بمشاهد الحياة المختلفة. 
وهنا يصبح السؤال على النحو التالي: هل يمكن أن نعد سمة الصمت وقلة الكلام إحدى سمات الشخصية اليابانية؟
إنه سؤال أو تساؤل يدفعنا إلى البحث عن إجابة له في واقع مشاهد التواصل المختلفة بين أفراد المجتمع الياباني. 
وعلى الرغم من أن عامي هذا هو العام السابع والعشرون منذ قدومي إلى اليابان، إلا أن ذاكرتي ما تزال تحفظ جيدا بعضا من ذكريات سنواتي الأولى عندما كنت حديث عهد بثقافة هذا البلد الفريد بفكره وسلوكه الحياتي، فعندما كنت أستقل القطار في الصباح عند ذهابي إلى الجامعة كان الصمت والهدوء، القاتل، من حولي يجعلني منبهرا أحيانا ومنزعجا أحيانا أخرى.
وكان الإحساس بسطوة الهدوء والصمت الذي لم أعتده من قبل، خاصة عند ركوب الحافلات والقطارات في بلاد أخرى، يجعلني أشعر بعدم الألفة وغرابة الناس من حولي، نعم أذكر جيدا ذاك الصمت الذي كنت أعده صمتا قاتلا في ذاك الوقت.
لكن مهلا.. فالصمت الذي كان يبهرني لم يكن على وتيرة واحدة، وأعني أنه كان متغيرا، وعلى ما يبدو أنه كان حاضرا دائما في ساعات الصباح وحسب، وغائبا أو متراجعا في المساء أو بالأحرى في قطار الليل! أما عن قطار المساء فحدث ولا حرج، فهنا داخل قطار المساء تجد أصوات الركاب تختلط بالحديث والضحك المتبادل، وقد تعلو أحيانا باختلاف واضح عن قطار الصباح، ولا أقول إن الصمت يصبح منعدما، وإنما تجده حاضرا ولكن على حرج وبفارق ملحوظ.
في عالم التواصل البشري، ليست الكلمات والإيماءات فقط هي التي لها معنى، ولكن أحيانا يوحي الصمت أو يخبر عن شيء ما، فماذا يعني الصمت في الثقافة اليابانية؟
في المجتمع الياباني  يعد الصمت من الصفات الحميدة، بل قل هو شيء يرقي إلى درجة الفضيلة الأخلاقية أو ما يُعرف في اللغة اليابانية بكلمة “bitoku “، وللحديث بقية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .