العدد 5836
الأحد 06 أكتوبر 2024
banner
الحياة بين العواجل!
الأحد 06 أكتوبر 2024

بين كل خبر عاجل وآخر هناك خبر عاجل، هكذا تبين لنا شاشات نشرات الأخبار التلفزيونية أو تلك التي تطل على أجهزة الهواتف الذكية المحمولة من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي المختلفة. الأخبار العاجلة بألوانها الحمراء أو الصفراء الصارخة وأحرفها البارزة، مصممة لأجل لفت الانتباه الفوري، لكنها أيضا كانت وبسبب قلتها وندرتها، تشد وتوتر الأعصاب وتجلب التوتر والخوف وتثير القلق والذعر.
ولكن الآن ومع شلالات العواجل التي لا تتوقف على الشاشات، فقد الخبر العاجل قيمته وإثارته وأهميته، ومن كثرة العواجل بات الناس يتعاملون معها كغيرها من الأحداث، حالة عميقة ولافتة من التبلد أصابت المتابع في العالم عموما وفي العالم العربي تحديدا. مواقع الأخبار والقنوات الإخبارية الفضائية هي الاختبار الأول لمعرفة ما يحصل حولنا، وأثر كل ذلك على مستقبل المنطقة، والذي لا يزال أمرا عصيا على الفهم حتى الآن، إلا أن الضيوف والمعلقين في مجملهم لا يساعدون المتلقي على الفهم والمعرفة، بل على العكس تماما، فهم ينجحون وبشكل متفوق ومميز في تحويل حالة معقدة إلى مشهد مليء بالألغاز والطلاسم والعقد والغموض. كانت الصحف الورقية قديما تعتمد العنوان الرئيسي البارز والصارخ المعروف باسم “المانشيت” لإبراز الخبر الأهم والأكثر إثارة لأجل جذب اهتمام القارئ وشده لقراءة المحتوى والمضمون المصاحب للعنوان.. اليوم أصبحت العواجل هي مانشيتات اللحظة المتواصلة على مدار الساعة واليوم. اليوم تحول المتلقي إلى إنسان محاصر وملاحق بأعاصير الأخبار المتتالية، وبات هذا الأمر مسببا لحالات نفسية وعضوية مرضية تؤدي إلى اضطرابات النوم والتبول اللاإرادي والقلق والاكتئاب، ما أجبر عددا غير بسيط من الناس على اللجوء للأطباء وتعاطي الدواء علاجا لحالاتهم المرضية ومنهم من تحول إلى حالة تشبه علاج المدمنين للخلاص من إدمانهم، فقرروا عزل أنفسهم عن الأخبار بأنواعها تماما. كثرة العواجل تعكس عصر الإثارة اللحظية والاهتمام الآني والشغف السريع المؤقت الذي أنتجه العصر الرقمي المذهل الذي نعيش ضمنه ولم نر سوى رأس جبل الجليد المغمور منه حتى الآن.
*كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية