حجم الإعلان المتواصل على شاشات التلفاز الأميركي وفي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة عن مناظرة مرشحي سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب وكامالا هاريس كان يشبه حملات الترويج الدعائية الضخمة المصاحبة لإطلاق فيلم جديد، وهو بذلك يواكب المزاج الأميركي المتحول منذ عقود من الزمن، والذي حول الأخبار إلى ما يشبه وجبة دسمة من الترفيه والإثارة. والمناظرة التي تابعتها باهتمام وتركيز أعداد هائلة من الناس حول العالم، كيف لا وهي عنصر وعامل مؤثر قد يرجح كفة أحد المرشحين للوصول إلى المنصب التنفيذي الأعلى للقوة الأكبر في العالم.. كان واضحا جدا أن المرشحين استعدا للمناسبة بأسلوب يتناسب مع وسائل الإعلام الجديد الذي تقبع منصاته في راحة اليد من خلال التواصل الاجتماعي في الهاتف المحمول، وبالتالي كان التركيز على التصريح المقتضب والكلمة المثيرة وتعابير الوجه الدرامية ولغة الجسد المتفاعلة. لم يكن هناك الحديث العميق عن المواقف والسياسات التي من المفترض أن تبنى عليها قرارات الاختيار والانتخاب مع عدم إغفال الكم الهائل من التحقير والإهانات المتبادلة بين المرشحين التي أفقدت السباق الرئاسي وقاره واحترامه المنتظر والمتوقع.
كانت المناظرة في مجملها عرضا ترفيهيا مثيرا بامتياز لم يكن فيه المضمون السياسي، ولا المحتوى الاقتصادي ولا الطرح الاجتماعي الذي يخاطب هواجس المنتخبين في بلد بات فيه الاستقطاب الحاد سيد الموقف بامتياز. انتخابات الرئاسة الأميركية تشبه دورة الألعاب الأولمبية وبطولة كأس العالم لكرة القدم، حيث تنعقد كل أربعة سنوات، ويترقب العالم حدوثها ويتابع أخبارها وينتظر نتائجها بشغف شديد واهتمام بالغ، وكلها باتت تنطوي في وصفها تحت شعار واحد كبير مشترك لا يمكن إغفاله وهو الإثارة والدراما والاستمتاع والترقب والترفيه. بقي على حسم الانتخابات الرئاسية الأميركية أقل من شهرين، وهي التي شهدت حتى الآن كما هائلا من الأحداث المفاجئة والصادمة، مناظرة أولى دمرت الرئيس الأميركي جو بايدن وجعلته يضطر لإعلان انسحابه من السباق ومحاولة اغتيال للمرشح المنافس الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب وترشيح كامالا هاريس بشكل مفاجئ بديلا لجو بايدن عن الحزب الديمقراطي، وعلى ما يبدو قد تكون الفترة القادمة حبلى بالمزيد من الأخبار الصادمة العاجلة قبل يوم الحسم في نوفمبر القادم... فالقادم مذهل أكثر.
*كاتب وإعلامي سعودي