العدد 5801
الأحد 01 سبتمبر 2024
banner
عن أي تاريخ نتحدث!
الأحد 01 سبتمبر 2024

في ظل ما يحصل أمام أعيننا، وبشكل صارخ وفج، من تغييرات هائلة وتزييف صريح في سرديات الأخبار وروايات الأحداث، بات من المهم جدا مراجعة ما تمت كتابته واعتماده كروايات تاريخية “حقيقية”.

عندما يقولون إن التاريخ يكتبه المنتصرون فهو لا يحكي سوى نصف الرواية، لأن التاريخ يتجزأ عليه المظلومون والذين لهم مصلحة في إبقاء سردية عكسية تماما لإبقاء مصالحهم قائمة، وانتظار اللحظة المناسبة لانتهاز الفرصة لاستغلالها بالشكل المثالي لتحقيق أفضل النتائج الممكنة.

ولعل أهم الأمثلة المؤيدة لهذا الطرح ما يتعلق بتاريخ الحضارات القديمة والتي تجرأ على كتابتها أعداد غير بسيطة من المتخصصين في التاريخ، وطغت في الكثير من الأحيان بل من الممكن أن نقول في معظم الأوقات وجهة النظر الاستشراقية التي تتعامل مع ثقافات المناطق الأخرى غير الغربية بشكل فيه نظرة دونية واضحة لا يمكن إغفالها، بالإضافة إلى لغة متعالية فيها الكثير من الاستفزاز، وهذا حتما سيكون له الأثر الذي لا يمكن إنكاره في رواية التاريخ الخاص بهم.

وفيما يتعلق بتاريخ منطقة الشرق الأوسط وتحديدا فترة نهاية الامبراطورية العثمانية، والذي أدى إلى إعادة رسم خرائط دول المنطقة عن طريق قوى الاستعمار المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بريطانيا وفرنسا، وبالذات ما أقدم عليه المسؤول البريطاني سايكس، والمسؤول الفرنسي بيكو، من “قسمة مصالح فجة” ولدت واقعا جديدا وصادما كان من أخطر نتائجه تأسيس دولة إسرائيل في فلسطين.

وتعزز الأطراف المستفيدة من سردية تاريخية معينة روايتها بتوظيف مكثف لكل الوسائل والوسائط الإعلامية مثل السينما والتلفزيون والتواصل الاجتماعي، حيث تثبت هذه السردية في أذهان المتلقين كلمة وصوتا وصورة بشكل مركز ودقيق ومعمق. التاريخ في سردياته المطروحة أمامنا لم يعد تحقيقا بحثيا أكاديميا علميا موضوعيا كما ينبغي أن يكون ويجب، لكنه تحول إلى طرح شخصي متطرف ومتشدد ومتعصب لوجهة نظر محددة بعينها.

*كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .