تقاطعت في الأيام الماضية سلسلة من المواقف والأحداث العربية، انطلقت من العاصمة اللبنانية بيروت، لتتجه صوب الخليج، ومنه إلى مؤتمر ميونخ للأمن، لكن هذه الأحداث والمواقف، تقاطعت حول موضوع واحد هو حركات الإسلام السياسي المتشدد. ففي الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري زار العاصمة اللبنانية بيروت نجله ووريثه السياسي الأبرز رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وسط حملة إعلامية مدروسة وموجهة، ركزت على إبراز مدى أهمية واتساع شعبية وتأييد زعامة الحريري لدى أهل السنة والجماعة في لبنان.
وقد نجح تيار المستقبل وزعيمه في إبراز هذا الجانب من التأييد الشعبي، بعد فشل محاولات متعددة لسد وتعبئة الفراغ الذي خلفه تعليق تيار المستقبل عمله السياسي في لبنان، منذ نحو سنتين وبعد انتقاله للعيش بعيدا عن ممارسة العمل السياسي في أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة. خلال تحركاته وأحاديثه، ومواقفه في بيروت، كان واضحا أن الحريري تعمد إرسال رسائل في كل الاتجاهات، ولكل الأطراف، لإبراز مدى التأييد الشعبي له مقابل القوى السياسية الأخرى. الحريري لم يخف مواقفه، بل شدد في أكثر من تصريح على أن تيار المستقبل الذي يتزعمه، هو قوة سياسية وسطية ومعتدلة، وأنه ضد التطرف، وفي حال برزت اتجاهات لدى جمهوره نحو التطرف السياسي أو الديني، فهو جاهز للتحرك والمواجهة مع أي تيار أو اتجاه متطرف، وقال لن أسمح للتطرف.. وإذا أراد بعض السنة هذا التوجه فإنني سأتحرك للوقوف في وجهه وأنا لا أقبل بذلك. بالتوازي مع هذا الحدث في بيروت والذي حظي بمتابعة إعلامية وجماهيرية، عرضت محطة العربية الفضائية مقابلة بمثابة سبق صحافي وسياسي، مع زوجة زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي المدعوة "أسماء محمد" والتي كشفت للمرة الأولى عن ما أسمته ممارسات لا إنسانية من قبل زوجها وأعوانه في تنظيم داعش. وقد أبرزت المحطة في المقابلة كلاما ومعلومات سلبية تُكشف للمرة الأولى عن جرائم تنظيم وقيادة داعش، وعلى وجه الخصوص تجاه النساء، وقالت زوجة أبوبكر البغدادي إن تجربتهم في التنظيم، لم تكن دولة الإسلام، بل دولة النساء، مركزة على فجور وإجرام قيادة التنظيم وانحرافه الإنساني المخيف.
كما عرضت محطة العربية، مقابلات متعددة مع باقي زوجات البغدادي، كما عرضت المحطة أيضا أحاديث ومقابلات مع نساء أيزيديات تم خطفهن واغتصابهن من قبل قيادات وعناصر تنظيم داعش. كما أجرت المحطة مقابلات وجها لوجه مع المغتصبات والرجال الذين ارتكبوا هذه الجرائم، في جلسات استجواب علنية أمام عدسات الكاميرا.
عمليا كشفت محطة العربية للجمهور العربي والرأي العام العالمي وحشية التنظيم والجرائم التي ارتكبتها عناصره وقياداته ضد الإنسانية عموما وضد الإسلام خصوصا.
الحدث الثالث الذي لفت الانتباه، ويكاد يتقاطع مع ما سبق في بيروت وما أبرزته محطة العربية، هو الكلام الذي صدر عن وزير خارجية مصر سامح شكري خلال نقاشه مع وزيرة خارجية إسرائيل السابقة تسيبي ليفني خلال الحديث عن حركة حماس خلال جلسة حوارية بعنوان "نحو الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط"، ضمن فعاليات مؤتمر ميونخ للأمن، حيث قال: "إن حركة حماس كانت من خارج الأغلبية المقبولة للشعب والسلطة الفلسطينية"، لافتا إلى رفضهم "التنازل عن دعم العنف والاعتراف بإسرائيل".
وأضاف شكري "يجب أن تكون هناك محاسبة حول تمكين حماس في غزة، وتمويلها في القطاع لتعزيز الانقسام بين الحركة والتيار الرئيسي للكيانات الفلسطينية الأخرى صانعة السلام، سواء كانت السلطة أو منظمة التحرير".
كلام شكري تقاطع في المحصلة مع سبق أن ظهر في كلام الحريري في بيروت ضد التطرف، ومع ما ظهر من كشف للسلبيات والجرائم في تصرفات وممارسات التنظيم المتطرف الإرهابي داعش.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل ان هذا التقاطع في الأحداث والمواقف، في مواجهة التطرف الإسلامي، بأشكال وأحداث متباعدة، منظم وموجه أم هو محض صدفة؟
كاتب وأستاذ جامعي من لبنان