بعد جنوب أفريقيا، فعلها الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، واتهم إسرائيل بارتكاب "إبادة" بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، مشبّهًا ما تقوم به الدولة العبرية بمحرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية. وقال داسيلفا للصحافيين، في أديس أبابا حيث حضر قمة للاتحاد الأفريقي "ما يحدث في قطاع غزة ليس حربًا، إنه إبادة". وأضاف "ما يحدث في قطاع غزة مع الشعب الفلسطيني لم يحدث في أية مرحلة أخرى في التاريخ. في الواقع، سبق أن حدث بالفعل حين قرر هتلر أن يقتل اليهود"، في الهولوكوست.
بطبيعة الحال، ثار غضب إسرائيل والمسؤولين فيها، لأن كلام الرئيس البرازيلي جاء مؤيدا تقريبا لكلام واتهامات جنوب أفريقيا ومحكمة العدل الدولية في لاهاي من ناحية الاتهام بالإبادة الجماعية. لكن اللافت في الأمر، ليس إعلان إسرائيل عن غضبها واعتبارها الرئيس البرازيلي شخصا غير مرغوب فيه، بل إن وجه الغرابة، جاء من مواقف الولايات المتحدة الأميركية التي سارعت لرفض كلام ومواقف الرئيس البرازيلي، وانبرت للدفاع عن إسرائيل وكأنها تدافع عن نفسها، رافضة كلام دا سيلفا رفضا تاما. وأكثر من ذلك، أوفدت أميركا وزير خارجيتها أنطوني بلنكن للاجتماع بالرئيس البرازيلي وإبلاغه عدم موافقة واشنطن على كلامه تجاه إسرائيل. لكن دا سيلفا، أصر على موقفه مبلغا الوزير الأميركي أن الصراع لن يتوقف ما لم يتم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته على أرضه. ترى ما الذي دفع رئيس البرازيل، لإعلان هذه المواقف المتضامنة مع الشعب الفلسطيني، والرافضة لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. كل ما في الأمر أن الرئيس البرازيلي تمسك بما كان قد أعلنه من مواقف واتجاهات طوال حياته السياسية، فالرئيس البرازيلي، المناضل المنحاز إلى جانب المستضعفين في بلاده والمهمشين وإلى جانب الطبقات الفقيرة والمحرومة والمؤيد للحقوق الإنسانية، استمر متمسكا بمواقفه، وبالأفكار التي ناضل من أجلها ورفع رايتها في بلاده. فأراد أن يكون منسجما مع نفسه رغم بعد المسافات بين البرازيل ومنطقة الشرق الأوسط. وبالرغم من أنه لا يتصل مع الدول العربية ومواطنيها بصلة القربى الجغرافية أو القومية أو العرقية، لكنه تمسك بالمبادئ التي آمن بها وناضل من أجلها، وفضل أن يكون منسجما مع نفسه ومنطلقاته الإنسانية، ولا يسجل على نفسه وبلاده أنه خذل الشعب الفلسطيني المقهور، والمطهد والمطرود من أرضه، والذي يتعرض للإبادة الجماعية، والمجاعة، أمام أعين العالم وعدسات وسائل الإعلام.
فضل دا سيلفا أن يرمي احتجاجات إسرائيل والولايات المتحدة تحت الطاولة، وأن يكون منسجما مع نفسه في العلن وفوق الطاولة، لكي لا يخسر نفسه ويكون شاهد زور على أكبر مذبحة بحق مدنيين أبرياء، وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، بعد الهولوكوست ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية.
كاتب وأستاذ جامعي من لبنان