يوم الجمعة الماضي لوح الفنان الكبير علي الشيراوي رحمه الله بيده اليمنى مودعا، غادر إلى جوار ربه بعد عمر طويل قضاه على خشبة المسرح وخلف كواليسه مثل الفارس الذي يلقي سؤاله ولا ينتظر الجواب، كان محبا للمسرح ولا يفكر متى سيموت وكيف، المهم هو الكفاح والعمل المتواصل، كان مثل الروح الملتهبة، الروح العاشقة المحبة للمسرح. كان مثلنا نحن الفنانين والكتّاب، لنا تناقضاتنا وعذاباتنا وأخطاؤنا، لكن لنا أيضا انسجامنا وفرحنا وصواب نظرتنا إلى الأمور. نعرف أننا نتأرجح باستمرار بين قطبي الضعف والقوة، وأننا في سبيلنا لابتكار الجميل والجيد، كثيرا ما نقع في البشع والرديء، وسنظل نسعى ونكتب ونقاتل ونغني ونرقص كما رقص زوربا.
مسكين هو الفنان والكاتب البحريني، منذ أول يوم ولادته وهو يقف على عتبة الهزيمة، يعيش منقطعا لا يعرف شيئا من أفراح العالم، وليس له غير حمل الحكمة والأحزان. رحل علي الشيراوي كما رحل الفنانون السابقون، غير مفهومين وغير مسموعين وليست لهم أية علامة على الخريطة. مازلت أتذكر ذلك الفنان العبقري الشاب رحمه الله الذي أتعبته زفرات الحلبة المضطربة وهو يطلب “سبونسر” لفيلمه الذي كان سيشارك به في أحد المهرجانات السينمائية الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية، عملنا الرسائل معا وقضينا الأيام نلتمس السلوى والجواب، لكن كنا أشبه بمن يحرث الأمواج، ومع ذلك جلس في كوخه الصغير المضاء وأرسل الفيلم للمشاركة وفاز ولمع في الظلمة كالنيزك.. نعم.. فاز والحزن يتابع طريقه في داخله وينتشر!
هذا هو الفنان والكاتب البحريني، هضبة ممتدة من المعاناة والألم، أصحاب قلوب طاهرة ساذجة يفضلون الموت على الاستسلام، أعمالهم في الخارج تحقق نتائج جبارة تحبس لها أنفاس العالم، بينما هنا يعيشون غربة الهزيمة بأصولها وقواعدها، وتعصف بهم رياح الشوك.
كاتب بحريني