يدور السيناريو حول نفسه دائرة أخرى، بكل القيمة التعبيرية وتواتر الفكرة.. مدينة عيسى تحاول منذ سنوات طويلة أن تخرج عن الطوق الذي يكبل قدرتها، كمدينة تنعم بالخدمات والبنية التحتية التي تجعلها تسلك دربا جديدا يتناسب مع التطور العمراني المميز والفريد الذي نشاهده ونفخر به في معظم مناطق المملكة، لكن ليس لها ولقاطنيها سوى السلوى والسلوان.
جارنا – وهو بحريني – انتقل قبل سنوات قليلة للعيش مع والدته في الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، وبين كل فترة وأخرى يزور البحرين ويلتقي مع أصدقاء طفولته، وشاءت الصدف أن يزورنا خلال الأيام الماضية التي شهدت أمطارا غزيرة أغرقت شوارع مدينة عيسى كالمعتاد، وهي قضية مفروغ منها ويسهل على المتفرج متابعة ما يراه، وأول كلمة سمعتها منه هي “ليحين هالنقع ما تغيرت من سنين”!
أعجب ما في الأمر أن الحديث عن الخدمات والبنية التحتية في مدينة عيسى، يشبه الحديث عن أوضاع الكواكب والنجوم وعلوم الفلك والرياضيات، وكأننا بحاجة إلى استدعاء “كوبرنيكس” من قبره ليشرح لنا ما يحدث وطريقة العلاج، فلو كانت لشوارع مدينة عيسى روح مثل البشر لفضلت الانتحار بدل أجراس الطوارئ التي تقرع بانتظام، حتى الأشباح التي تسكن في المدينة معنا، نهضت مرتعدة من كبوتها بسبب صوت أجراس الطوارئ، والحفريات التي لا تنتهي وتشبه الأفق الفسيح.
أعرف أنني كتبت كثيرا عن هذه القضية وفي كل مرة أجلس أمام بيتي وأقول أنا بحاجة إلى إعادة النظر في كل شيء، لكن ما إن أنسى قليلا حتى تظهر في الرواية شخصية جديدة مثل – جارنا – تذكرني بركام المشاكل التي تعاني منها شوارع مدينة عيسى، والسؤال الذي نحيي ذكراه بكل معنى الخلود وبنسيج لوحة صوتية تشبه خرير النافورة.. ألا يوجد مهندسون يخططون ويصممون؟.
* كاتب بحريني