العدد 5517
الأربعاء 22 نوفمبر 2023
banner
الأديب إنسان هامشي.. ومهرجو السوشال ميديا لهم المحبة والتبجيل
الأربعاء 22 نوفمبر 2023

تدب الحيرة في النفوس، ويتسرب الشك ويتفشى لينال صلابة أولي العزم من الأدباء والمثقفين دون سواهم، وهم الذين ضربوا المثل في التضحية والفداء، عندما يشاهدون نور المحبة والتبجيل والاهتمام يتجه صوب “مهرجي وسائل التواصل الاجتماعي” الذين يسيرون في خط مواز مع الهراء والسخافات، ومع ذلك يصلون بسهولة نحو قمة الجبل والكوثر الصافي.
كدت أذوب وأضمحل عندما شاهدت أحد هؤلاء المهرجين يتمركز في “ساحة الشهرة”، ويشحن بالطاقة المشعة على مدار الساعة، حتى أنني رغبت في إشعال عود ثقاب لألسع جسدي علني أفيق من الصدمة وتتغير مساحات الحزن في القلب، لكنني تذكرت أن ما من أحد يستطيع مفاوضة فجيعة هذا العصر الذي لا يعرف فيه المثقف والأديب مكانه الطبيعي، وليس له سوى الماضي الذي يعينه على التخلص من جراحه العميقة، أو البقاء في صندوقه الخشبي المرمي في عمق البحر.
كيف تغير الحال وتحول الأديب والفيلسوف إلى إنسان هامشي في مجتمعاتنا ويعيش في معزل بكل هذه البساطة، وتتعمق هذه المأساة التي جعلتنا نبكي طويلا عندما نرى تهافت الجميع على أولئك المهرجين أصحاب التقليعات والمشاهد البعيدة كل البعد عن القدرات الفعالة الكامنة في المجال الإبداعي، وجسامة اللامبالاة التي يدمرون بها الفنون. أحلام سريالية صنعت هؤلاء ومع كل أسف وجدت من يؤمن ويشجع ويتعاون مع هذه “الطامة” بشتى الوسائل ويجد فيها المثال الخالص للخيال والأفكار العظيمة.
لتسمح لنا الأسماء اللامعة الكثيرة في الأدب والفكر على هذه الحياة التي تسير في وجهة واحدة، وتستحضرني عبارة لرئيس ألمانيا منذ سنوات قالها في حفل تكريم “فاجنر” شاعر الموسيقى حيث قال “إن خير تكريم للعبقرية هو أن نكرم جميع عباقرة العالم”.
ولكننا اليوم نكرم المهرجين بامتنان كبير وتأثر بالغ، وننفر من الأقلام التي سطرت مفاخر الضاد وأمجاد العروبة.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .