العدد 5510
الأربعاء 15 نوفمبر 2023
banner
" البروباغندا الأسرائيلية"في عصر الحقائق
الأربعاء 15 نوفمبر 2023

أُستاذنا المفكر والمنظّر الكبير الراحل الدكتور حامد عبد الله ربيع(أُستاذ كرسي النظرية السياسية)في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة( ت 1989) وهو من مؤسسيها 1963، نال خمس شهادات دكتوراه في تخصصات متقاربة متعددة، وتخرجت على يده أجيال من حملة الدكتوراه في العلوم السياسية الذين خرّجوا  بدورهم أجيالاً من حملة الدكتوراه أيضاً. كما ألّف في زمانه دراسات أكاديمية رصينة جد متعمقة عن المجتمع والنظام السياسي في إسرائيل، مازالت أكثرها تحتفظ بأهمية خلاصاتها القيّمة،إذ ما فتيء الباحثون وطلبة الدراسات العليا يرجعون إليها.وكان ربيع أن درس -بوجه خاص- سر تفوق إسرائيل على العرب في "الدعاية السياسية"، وأرجع ذلك لعدة عوامل، على رأسها التخطيط العلمي الدقيق لهذه الدعاية، كي تكسب أوسع فئات من الرأي العام العالمي إلى صفها، وهذا يتطلب: التمييز بين الدعاية الموجهة للداخل والدعاية الموجهة للخارج، وعدم اللجوء إلى الكذب الصريح، باعتباره أسوأ أنواع الدعاية، بل استغلال أنصاف الحقائق والبراعة في كيفية تضخيمها، ومن ثم إعادة صوغها بشكل مخاتل قادر على التضليل طويل المدى. 
 لكن لو أن هذا الأُستاذ الجليل مازال عائشاً بيننا اليوم للمس مدى التراجع الذي لحق بالبروغاندا  الإسرائيلية، ولا سيما منذ اختراع "السوشيال ميديا"،على نحو ما هو جارٍ الآن في حرب الإبادة الوحشية الصهيونية على أهلنا في غزة،حيث يتابع الرأي العالمي مجريات مآسيها الكارثية بعقله وضميره الحُرين عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك جرائم الإبادة بحق الأطفال الصغار والخُدج داخل المستشفيات المعطلة والمشلولة عن كل مقومات الحياة بفعل نسفها المتعمد، دع عنك مستلزمات العلاج والأدوية، مما يستحيل على الدعاية الإسرائيلية التقليدية نفيه أو تغطيته على عيون الرأي العالمي بغربال. وبهذا لم تعد تمتلك سوى الأكاذيب العبثية الصارخة، أو التبرير الذي لا يحترم حتى عقلية الإنسان العادي، ومعها في ذلك حلفاؤها الغربيون المكابرون مثلها. وهكذا أضحت إسرائيل عاجزة عن أن تساير التطور التكنولوجي الذي استجد لإعادة تخطيط دعايتها الحديثة بأساليب نوعية تواكب ذلك التطور. ومن ثم لم تعد تتورع اليوم- وهي تتخبط في الهستيريا الانتقامية الشديدة التي تنتابهاجراء ما لحق بسمعة جيشها ومخابراتها في "طوفان الأقصى"- عن توظيف الكذب الصارخ في "دعايتها السياسية" بغية التمويه على ما ترتكبه من جرائم حرب في حملتها الإبادية الراهنة على أهالي غزة المدنيين، وذلك  تحت ذريعة  "حق الدفاع عن النفس" فيما تواصل غاراتها المستمرة منذ نحو شهر ونيّف على المباني والأبراج  السكنية التي تتساقط على رؤوس ساكنيها، وكذلك المستشفيات ومراكز إغاثة  "الأونروا" بحجة أن "حماس"  تتخذها دروعاً بشرية،  وهي فرية باتت تضحك الثكالى، ولم تعد تنطلي على طيف واسع من الشخصيات والمنظمات الدولية ووسائل إعلامية عالمية عديدة مؤثرة،وبضمنها حتى اليمينية! 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية