العدد 5506
السبت 11 نوفمبر 2023
banner
قبل إغماد خناجر الإبادة
السبت 11 نوفمبر 2023

بعد مضي أكثر من شهر على المذابح الإسرائيلية بحق أهالي قطاع غزة، لا أحد يعرف تحديداً متى ستتوقف آلة حرب الإبادة العسكرية التي تُشن على مناطقهم السكنية، والتي ضحاياها - بغالبيتهم الساحقة - من المدنيين، خصوصا الأطفال والنساء والشيوخ، سيما في ظل تهديد تل أبيب بالمضي فيها قدما حتى تُسلّم "حماس" رهائنها لإسرائيل، وهذا ما لا تريده لأنها ستعتبره بمثابة استسلام كامل من جانبها يفرغ "طوفان الأقصى" من أية مكاسب. 
والحق فإن المكاسب التي جناها الشعب الفلسطيني، وحركته الوطنية والعرب، إنما تحققت – موضوعيا - جراء وحشية هجمات الإبادة الإسرائيلية المتواصلة غير المسبوقة تاريخياً منذ نكبة 1948، حيث تم كسب أكبر قطاع ممكن من فئات الرأي العام العالمي التي فُزعت من هول تلك الوحشية، وبهذا فإن إسرائيل عرّت نفسها بنفسها بتلك الهجمات المتجردة من أية قيم إنسانية وسياسية ظلت تتشدق بها ردحاً من الزمن. وإذا ما اعتبرنا أن تلك المكاسب ستشكل عاجلاً أم آجلاً، ورقة في أيدي الفلسطينيين والعرب، من خلال ضغط فئات الرأي العام العالمي بدورها على مراكز صنع القرار السياسي في الدول الغربية، لتخفيف انحياز ودعم حكوماتها للحكومة الإسرائيلية الملطخة أيديها بدماء الأطفال، فإننا - وقبل أن تُغمد خناجر الإبادة - يجب ألا نقلل بأي حال من الأحوال من خطورة تلاشي هذا التأييد الشعبي العالمي الكبير، وذلك جراء الاستخفاف بثلاث نقاط في منتهى الأهمية: الأولى: تتمثل بوجوب أن تتجرد كل الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها "فتح" و"حماس" من الحسابات الضيقة في الرغبة بالاستئثار بقيادة الشعب الفلسطيني وتهميش بقية الفصائل أو إقصائها، ومن ثم العمل بأسرع وقت ممكن لإنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت راية منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد، والمعترف به عربيا ودوليا، للشعب الفلسطيني.
الثانية: تتمثل بوجوب التمسك بالطرح الواقعي لحل القضية الفلسطينية، والابتعاد عن الأطروحات المتطرفة، مهما اشتدت وحشية تلك الهجمات، ذلك بأنها قد تفقد القضية الفلسطينية فئات واسعة من الرأي العام العالمي المتعاطف مع القضية، وهي ذات مشارب فكرية ودينية متباينة، تحركت بدافع نُبلها الإنساني الرافض للكراهية والعنصرية المتجسدة في تلك المذابح.
الثالثة والأخيرة: إذا كانت الدعاية الصهيونية قد عملت بذكاء وخُبث على تصوير الفلسطينيين والعرب عامةً كأعداء عنصريين لليهود والسامية، وخدمتها في ذلك الحركات القومية العربية المتطرفة والأنظمة القومية الشوفينية، فسيكون من الخطأ القاتل بمكان وصم كل اليهود بالعقيدة الصهيونية، ولاسيما في هذه اللحظات التاريخية المصيرية الراهنة التي لم يقف خلالها قطاع كبير من اليهود في العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، إلى جانب القضية الفلسطينية، كما يقفون الآن. وهنا فإن رفع شعارات مثل "الموت لليهود" و"خيبر خيبر يا يهود" لا يخدم القضية الفلسطينية البتة، لا بل قد يفقدها قطاعاً كبيرا مهما من اليهود المؤيد لها مما يصب قطعاً في صالح إسرائيل والحركة الصهيونية.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية