العدد 5492
السبت 28 أكتوبر 2023
banner
غزة ومشروع النكبة الجديدة
السبت 28 أكتوبر 2023

على مدى 75 عاماً من نكبة 1948 الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي لم يسبق أن انحاز الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، انحيازاً متطرفاً أعمى، كما انحاز له الآن في وقوفه مع العدوان الإسرائيلي الوحشي الأشرس تاريخياً على قطاع غزة، وهو انحياز وصل درجة التطابق التام مع موقف الدعاية الإسرائيلية وأكاذيبها بلا أدنى تباين، ما يعني تشجيع إسرائيل على مواصلة مذابحها لأهالي غزة، وهذا بالضبط ما يفسر سر لا مبالاة إسرائيل بالمواقف الدولية المعتدلة، ولامبالاتها أيضاً بالمسيرات الشعبية المتواصلة في العواصم والمدن الغربية غير المسبوقة تاريخياً في قوة حشودها للتنديد بالمجازر الإسرائيلية اليومية بحق أهالي القطاع والمناصرة للقضية الفلسطينية، ومن ثم ربط المطالبات العربية والدولية لإنهاء الكارثة المتواصلة بحل تلك القضية جذرياً، بمنح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، وهذا ما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية.

ومن بين تلك المواقف الدولية المتوازنة يبرز موقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش المعبر عن ضمير الأُممية الدولية، حيث وصف في كلمته أمام مجلس الأمن هجوم حماس في يوم 7 أكتوبر على الجانب الإسرائيلي بأنه لم ينجم من فراغ، لأن هذا الشعب الفلسطيني تعرض لاحتلال متواصل منذ 75 عاماً، في حين تعرض القطاع لاحتلال خانق منذ 56 عاماً، ورأوا أراضيهم تلتهمها المستوطنات، وخُنق اقتصادهم، ثم نزحوا عن أراضيهم، وهُدمت مساكنهم، وتلاشت آمالهم، ورغم أن غوتيرش اتخذ موقفاً وسطياً مندداً بهجمات حماس الأخيرة في السابع من أكتوبر، ومطالباً إياها بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، ومندداً بسياسة العقاب الجماعي التي تتبعها إسرائيل في هجماتها المتواصلة على غزة، ومن ثم لم يتطابق موقفه مع إسرائيل وحلفائها الدوليين، فكان هذا كافياً لأن يخرج السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان عن طوره للمطالبة بإقالته فوراً من منصبه كأمين عام للمنظمة الدولية، وكأن هذه المنظمة رهن إرادتها وحدها!.

ولم تكن المواقف الغربية أفضل حالاً، فهي لاذت بالصمت المريب أو التأييد الصريح تجاه المشروع الإسرائيلي لتهجير سكان القطاع إلى سيناء المصرية، وهو مشروع جنوني بالغ الخطورة، وغير قابل للتنفيذ البتة، إذ لا يعني عملياً سوى مشروع مصغر لنكبة جديدة تفاقم من أزمة القضية الفلسطينية تعقيداً فوق تعقيدها الأصلي، ذلك أن هذا المشروع لو حدث فلن يلوذ اللاجئون بالصمت والاستكانة عن قضية وطنهم المسلوب، بل المؤكد سيغدون مشاريع مقاومة جديدة، لا تهدد أمن إسرائيل فقط، بل وبما سينجم عن وجودهم على الأراضي المصرية من تبعات بالغة الخطورة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والسكنية والمعيشية والصحية، ناهيك عن الصعيد الأمني، وما ستتحمله مصر من ضربات انتقامية إسرائيلية، وهذا ما تعرض له الأردن بين عامي 1967 و1970، وهو ما حدث ومازال يحدث للبنان منذ النكسة، وبالتالي فهذا ما ليس بمقدور مصر أن تتحمله أو تقبله، بل وما فتئت القاهرة تكرر رفضها له بشدة، ومعها الدول العربية في ذلك.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .