في أول عام ونحن على مقاعد الدراسة الثانوية، كان معلمنا في اللغة العربية ضليعاً باللغة إلى الدرجة التي كنت أستخسر فيه تدريسه هذه المرحلة؛ إذ كنت أرى مكانه الأنسب حينها كأكاديمي في قاعات الجامعة، ورغم أسفي الشديد لعدم استمرار هذا الأستاذ النابغة في تخصصه بتدريسنا بقية الفصل الدراسي، إلا أنه ترك انطباعاً وأثراً جميلاً في ذاكرتي، وعرفت فيما بعد أنه حصل على درجة الماجستير، ومن ثم الدكتوراه، وأصبح الأستاذ الدكتور (عبدالحميد المحادين) أستاذاً في جامعة البحرين، قبل أن توافيه المنية، ويترجل إلى جوار ربه الكريم، وبهذا خسرت البحرين قامة أدبية، لا تعوض أبداً.

كنت ألقى في مراحل الدراسة الإعدادية صعوبة في فهم الرياضيات الحديثة، فاشتكيت الأمر إلى والدي حتى أوصل شكواي إلى مدرس المادة، وكان رده بأن “الرياضيات الحديثة صعبة جداً، لا يستوعبها معظم الطلاب”.. كان رداً غير مقنع تماماً، لا يعبر عن أدنى مستويات المسؤولية.

وبعد انضمامي إلى مقاعد الدراسة الثانوية، وعلى مدى العام الأول فقط، درسنا أستاذ يدعى (خليل شكري)، هذا الأستاذ الفاضل علمنا أنا وزملائي الرياضيات على أصولها حتى أصبحنا نتقن حل المسائل، وندرك تماماً تفاصيل هذا العلم وخباياه، ومازال إتقاننا حاضراً بفضل جهوده، كما كان المرحوم الأستاذ الدكتور (إبراهيم غلوم) له الأثر الكبير في توجيه اهتماماتي إلى قراءة المسرحيات والروايات، رغم مشاكساتي الأولى له في مقاعد الدراسة الجامعية، قبل أن أغرم بهذا المجال.

فتحية من القلب إلى هؤلاء الأجلاء من المدرسين الأوفياء، فهم المعلمون الذين لا يرحلون؛ لما تركوه من أثر طيب في نفوسنا عندما قدموا رسالتهم السامية على أتم وجه. رحم الله الأموات منهم، وأدام الصحة والعافية وطول العمر على الباقين، وألف سلام وتحية إجلال وتقدير لهم أينما كانوا.

* كاتب وأكاديمي بحريني